دِيوَانٌ، ولا في عَهْدِ أي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وإنما وَضَعَهُ عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حين كثر النَّاسُ، واحتاج إلى ضَبْطِ الأَسْمَاءِ والأرزاق، فلا يترك ما اسْتَقَرَّ في عَهْدِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما حَدَثَ بعده.
وقَضَاءُ عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كان في الأَقَارَب من أهل الدِّيوَانِ. وقوله في الكتاب: "والعَاقِلَةُ إن لم يكن عمداً" يجوز أن يُعْلَمَ بالواو؛ لِوَجْهِ قَدَّمْنَاهُ أن دِيَةَ شِبْهِ العَمْدِ لا تضرب على العاقلة. وقوله: "في جهة العَقْلِ" يعني: جهة تَحَمُّل الدية.
والعَقْل: مصدر عَقَلَ يَعْقِلُ، يقال: عَقَلْتُ فلاناً إذا أَدَّيْتُ دِيتَهُ، وعَقَلْتُ عن فُلاَنٍ إذا لزمته دِيَةٌ، فَأدَّيْتُهَا، والعَقْلُ أيضاً: الدِّيَةُ نفسها، سميت بذلك؛ لأن إِبلَ الدِّيَةِ تعقل بفَنَاءِ القتيل، أي: تُوضَعُ عليها عِقَالُهَا، وسميت العَاقِلَةُ عَاقِلَةً؛ لأنهم يَعْقِلُونَ الإبَل يفنَائِهِ، ويقال: بل لأنهم يمنعون عن القَاتلِ، والعَقْلُ: المَنْعُ، وبه سمي العَقْلُ؛ لأنه يمنع من الفواحِشِ والمنكرات. وقوله: "العُصُوبة" محمول على عُصُوبَة القَرَابَةِ، وإلا فهي تشمل الوَلاَءَ وبيت المال، ولو أطلق لفظ القَرَابَةِ كان أَحْسَنَ، كما قال: الجهة الأولى القَرَابَةُ. وقوله: "فلا يوجب العَقْل" مُعْلَمٌ بالحاء.
قال الغَزَالِيُّ: (ح) الجِهَةُ الأوْلَى القَرَابَةُ وَهُوَ كُلُّ عَصَبَةٍ سِوَى أَبْعَاضِ الجانِي مِنْ آبَائِهِ وَبَنِيهِ فَإنْ كَانَ ابْنُهَا ابْنَ ابْنَ عَمِّهَا ففي الضَّرْبِ وَجْهَانِ، وفِي تقدَّمِ الأخِ لِلْأَبِ وَالأُمِّ عَلَى الأخِ لِلأبِ قَوْلاَنِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إحدى جهات التَّحَمُّل القَرَابَةُ، فإنها أقْوَى جهات العُصُوبَةِ، وإنما يَتَحَمَّلُ الذين هم على حَاشيَةِ النَّسَبِ، وهم الإِخْوَةُ وبنوهم، والأَعْمَامُ وبنوهم.
فأما أب الجاني وأَجْدَادُهُ وبنوه، وبنو بَنِيهِ، فإنهم لا يَتَحَمَّلُونَ؛ لأنهم أَبْعَاضُهُ، فكما لا يتحمل الجَاني، لا يتحمل أَبْعَاضه.