ويستثنى جلد الحيوان النجس في الحياة، وهو: الكَلْبُ والخنزير، وفروعهما خلافاً لأبي حنيفة في الكلب.
لنا أن جلدهما لم ينجس بالموت، لما بينا أنهما نجسان في الحياة، والدِّبَاغ إنما يطهر جلداً نجس بالموت، لأن غاية الدّباغ نَزْعُ الفَضَلاَتِ، ودفع الاستحالات، ومعلوم أن الحياة أبلغ في ذلك (1) من الدباغ، فإذا لم تفد الحياة الطهارة حتى كان نجساً قبل الموت، فاولى أن لا يفيدها الدباغ. ونعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب.
أما قوله: "المتخذ من الجلد فاستعماله جائز بشرط أن يكون الجلد طاهراً"، فاعلم أن هذا كما هو شرط في المُتَّخَذِ من الجلد فهو شرط في المُتَّخَذِ من سائر الأعيان، وإن لم يذكره في سائر الأقسام. وقوله: "وطهارته بالذّكَاة" ليس على معنى أن الذّكَاة تطهر، فإن التطهير يستدعي سبق النجاسة، وهو طاهر في الحياة وبعد الزكاة (2) وإنما المواد أن الجلد الذي يتخذ منه الأناء لا يكون طاهراً، إلا إذا وجد فيه أحد المعنيين، إما الذّكَاة في المأكول أو الدّباغ. وقوله: "فيما يؤكل لحمه" ينبغي أن يكون معلماً بالحاء؛ لأن عنده لا حاجة إلى هذا القيد، وموضع باقي العلامات ظاهر بعد ما نقلنا من الخلاف. وقوله: "إلا الكلب والخنزير" يوجب حصر الاستثناء فيهما، وهو ظاهر المذهب بعد إلحاق فروعهما بهما. ولنا قول أن الآدمي ينجس بالموت على ما تقدم ذكره، فعلى ذلك القول، هل يطهر جلده بالدباغ؟ فيه وجهان:
أظهرهما: نعم، لعموم الخبر؛ ولأنه طاهر في الحياة، فأشبه جلده سائر الجلود. والثاني: وهو مذهب أبي حنيفة، أنه لا يطهر لما فيه من الامتهان، فعلى هذا يلحق جلود الآدمي بالمستثنى، ولك أن تعلم قوله "بالدباغ" مع الألف المشيرة إلى