كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدنيا} بتقديم الحال أعني {من قومه} على الوصف أعني {الذين كفروا} وَلَوْ تَأَخَّرَ لَتُوُهِّمَ أَنَّهُ مِنْ صِفَةِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا هَاهُنَا اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنَ الدُّنُوِّ وَلَيْسَتِ اسْمًا وَالدُّنُوُّ يَتَعَدَّى بِـ"مِنْ" وَحِينَئِذٍ يَشْتَبِهُ الْأَمْرُ فِي الْقَائِلِينَ أَنَّهُمْ أَهُمْ مِنْ قَوْمِهِ أَمْ لَا فَقَدَّمَ لِاشْتِمَالِ التَّأْخِيرِ عَلَى الْإِخْلَالِ بِبَيَانِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ كَوْنُ الْقَائِلِينَ مِنْ قَوْمِهِ وَحِينَ أُمِنَ هَذَا الْإِخْلَالُ بِالتَّأْخِيرِ قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هذا إلا بشر مثلكم} بِتَأْخِيرِ الْمَجْرُورِ عَنْ صِفَةِ الْمَرْفُوعِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِي التَّأْخِيرِ إِخْلَالٌ بِالتَّنَاسُبِ فَيُقَدَّمَ لِمُشَاكَلَةِ الْكَلَامِ وَلِرِعَايَةِ الْفَاصِلَةِ كَقَوْلِهِ: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} ، بِتَقْدِيمِ "إِيَّاهُ" عَلَى "تَعْبُدُونَ" لِمُشَاكَلَةِ رُءُوسِ الْآيِ وكقوله: {فأوجس في نفسه خيفة موسى} فإنه لو أخر {في نفسه} عن {موسى} فَاتَ تَنَاسُبُ الْفَوَاصِلِ لِأَنَّ قَبْلَهُ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ من سحرهم أنها تسعى} وبعده،: {إنك أنت الأعلى} .
وكقوله: {وتغشى وجوههم النار} فَإِنَّ تَأْخِيرَ الْفَاعِلِ عَنِ الْمَفْعُولِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِمَا بعده.
وكقوله: {إن الله سريع الحساب} ، وَهُوَ أَشْكَلُ بِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ قَبْلَهُ: {مُقَرَّنِينَ في الأصفاد} .