وَكَذَا كُلُّ عِلَّةٍ مَعَ مَعْلُولِهَا كَقَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أنما أموالكم وأولادكم فتنة} ، قِيلَ: قُدِّمَ الْأَمْوَالُ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ السَّبَبِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا شُرِعَ النِّكَاحُ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى مؤونته فَهُوَ سَبَبٌ وَالتَّزْوِيجُ سَبَبٌ لِلتَّنَاسُلِ وَلِأَنَّ الْمَالَ سَبَبٌ لِلتَّنْعِيمِ بِالْوَلَدِ وَفَقْدَهُ سَبَبٌ لِشَقَائِهِ.
وَكَذَا تقديم البنات عَلَى الْبَنِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ من الذهب والفضة} وَأَخَّرَ ذِكْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَنِ النِّسَاءِ وَالْبَنِينِ لِأَنَّهُمَا أَقْوَى فِي الشَّهْوَةِ الْجِبِلِّيَّةِ مِنَ الْمَالِ فَإِنَّ الطَّبْعَ يَحُثُّ عَلَى بَذْلِ الْمَالِ فَيَحْصُلُ النِّكَاحُ وَالنِّسَاءُ أَقْعَدُ مِنَ الْأَوْلَادِ فِي الشَّهْوَةِ الْجِبِلِّيَّةِ وَالْبَنُونَ أَقْعَدُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالذَّهَبُ أَقْعَدُ مِنَ الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ أَقْعَدُ مِنَ الْأَنْعَامِ إِذْ هِيَ وَسِيلَةٌ إِلَى تَحْصِيلِ النِّعَمِ فَلَمَّا صُدِّرَتِ الْآيَةُ بِذِكْرِ الْحُبِّ وَكَانَ الْمَحْبُوبُ مُخْتَلِفَ الْمَرَاتِبِ اقْتَضَتْ حِكْمَةُ التَّرْتِيبِ أَنْ يُقَدَّمَ مَا هُوَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ فِي رُتْبَةِ الْمَحْبُوبَاتِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إن شكرتم وآمنتم} قُدِّمَ الشُّكْرُ عَلَى الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَنْظُرُ "إِلَى" مَا عَلَيْهِ مِنَ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ فِي خَلْقِهِ وَتَعْرِيضِهِ لِلْمَنَافِعِ فَيَشْكُرُ شُكْرًا مُبْهَمًا فَإِذَا انْتَهَى بِهِ النَّظَرُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمُنْعِمِ آمَنَ بِهِ ثُمَّ شَكَرَ شُكْرًا مُتَّصِلًا فَكَانَ الشُّكْرُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِيمَانِ وَكَأَنَّهُ أَصْلُ التَّكْلِيفِ وَمَدَارُهُ. انْتَهَى.
وَجَعَلَهُ غَيْرُهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ الْإِيمَانَ مِنَ الشُّكْرِ وَخُصَّ بِالذِّكْرِ لشرفه.