الرَّابِعُ: بِالرُّتْبَةِ.
كَتَقْدِيمِ "سَمِيعٍ" عَلَى "عَلِيمٍ" فَإِنَّهُ يَقْتَضِي التَّخْوِيفَ وَالتَّهْدِيدَ فَبَدَأَ بِالسَّمِيعِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَصْوَاتِ وَإِنَّ مَنْ سَمِعَ حِسَّكَ فَقَدْ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَيْكَ فِي الْعَادَةِ مِمَّنْ يَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ علم الله تعلق بِمَا ظَهَرَ وَمَا بَطَنَ.
وَكَقَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَإِنَّ الْمَغْفِرَةَ سَلَامَةٌ وَالرَّحْمَةَ غَنِيمَةٌ وَالسَّلَامَةُ مَطْلُوبَةٌ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ فِي آيَةِ سَبَأٍ في قوله: {الرحيم الغفور} لِأَنَّهَا مُنْتَظِمَةٌ فِي سِلْكِ تَعْدَادِ أَصْنَافِ الْخَلْقِ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُ: {مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الغفور} فَالرَّحْمَةُ شَمِلَتْهُمْ جَمِيعًا وَالْمَغْفِرَةُ تَخُصُّ بَعْضًا وَالْعُمُومُ قَبْلَ الْخُصُوصِ بِالرُّتْبَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بنميم} فَإِنَّ الْهَمَّازَ هُوَ الْمُغْتَابُ وَذَلِكَ لَا يَفْتَقِرُ إلى شيء بخلاف النميمة.
وقوله: {يأتوك رجالا وعلى كل ضامر} فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الَّذِينَ يَأْتُونَ رِجَالًا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ وَالَّذِينَ يَأْتُونَ عَلَى الضَّامِرِ مِنَ الْبَعِيدِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّقْدِيمِ بِالشَّرَفِ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْمَشْيِ مُضَاعَفٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} مَعَ أَنَّ الرَّاكِبَ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِنَ الْمَاشِي فَجَبْرًا لَهُ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ.