قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} مَعْنَاهُ الْحَصْرُ أَيْ: لَا يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ إِلَّا هُمْ
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً من الأرض هم ينشرون} أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا يُنْشِرُ إِلَّا هُمْ وَإِنَّ الْمُنْكِرَ عَلَيْهِمْ مَا يُلْزِمُهُمْ حَصَرَ الْأُلُوهِيَّةَ فِيهِمْ ثُمَّ خَالَفَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ لَمَّا خَالَفَ مَذْهَبَهُ الْفَاسِدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ من النار} فَقَالَ: هُمْ هُنَا بِمَنْزِلَتِهَا فِي قَوْلِهِ:
*هُمْ يَفْرِشُونَ اللُّبَدَ كُلَّ طِمْرَةٍ*
فِي دَلَالَتِهِ عَلَى قُوَّةِ أَمْرِهِمْ فِيمَا أُسْنِدَ إِلَيْهِمْ لَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ انْتَهَى
وَبَيَانُهُ أَنَّ مُقْتَضَى قَاعِدَتِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ الْمُؤْمِنِينَ الْفُسَّاقِ مِنَ النَّارِ وَلَيْسَ هَذَا مُعْتَقَدُهُ فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى التَّأْوِيلِ لِلْآيَةِ بِفَائِدَةٍ تَتِمُّ لَهُ فَجَعَلَ الضَّمِيرَ الْمَذْكُورَ يُفِيدُ تَأْكِيدَ نِسْبَةِ الْخُلُودِ لَهُمْ لَا اخْتِصَاصَهُ بِهِمْ وَهُمْ عِنْدَهُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لِأَنَّ عُصَاةَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ خُلِّدُوا فِي النَّارِ عَلَى زَعْمِهِ إِلَّا أَنَّ الْكُفَّارَ عِنْدَهُ أَحَقُّ بِالْخُلُودِ وَأَدْخُلُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ فَتَخَيَّلَ فِي تَخْرِيجِ الْآيَةِ عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِهِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَنْ قَاعِدَةِ أَهْلِ الْمَعَانِي فِي اقْتِضَاءِ تَقْدِيمِ الضَّمِيرِ الِاخْتِصَاصِ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ إِفَادَةَ تَقْدِيمِ الضَّمِيرِ الْمُبْتَدَأِ لِلِاخْتِصَاصِ وَالْحَصْرِ أَقْوَى وَأَشْهَرُ عِنْدَهُمْ مِنْ إِفَادَةِ مُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ فِي الصِّفَةِ وَقَدْ نَصَّ الْجُرْجَانِيُّ فِي دَلَائِلَ الْإِعْجَازِ عَلَى أَنَّ إِفَادَةَ تَقْدِيمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْفِعْلِ لِلِاخْتِصَاصِ جَلِيلَةً وَأَمَّا إِرَادَةُ تَحْقِيقِ الْأَمْرِ عِنْدَ السَّامِعِ أَنَّهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَأَنَّهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْهَا فَلَيْسَتْ جَلِيلَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُعْدَلُ عَنِ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلَيْسَ هُنَا مَا يَقْتَضِي إِخْرَاجَ الْكَلَامِ عَنْ مَعْنَاهُ الْجَلِيِّ كَيْفَ وَقَدْ صَحَّتِ الْأَحَادِيثُ وَتَوَاتَرَتْ عَلَى أَنَّ الْعُصَاةَ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَاعَةِ غَيْرِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهَا مُوَحِّدٌ أَبَدًا فهذه