كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} التوبة: 29 فَنُسِخَ بِهَذَا الْعَفْوُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ " وَقِيلَ هَذَا نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} التوبة: 5 وَقِيلَ بَلْ هُوَ تَبْيِينٌ لِمَا قَالَ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} التوبة: 5 وَأَمَرَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ، عُلِمَ أَنَّهُ يُرَادُ بِالْمُشْرِكِينَ غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقِيلَ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} التوبة: 5 وَجَبَ قَتْلُ كُلِّ مُشْرِكٍ إِلَّا مَنْ نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ قَامَتْ بِتَرْكِ قَتْلِهِ الْحُجَّةُ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَمَنْ قَامَتْ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُ الْحُجَّةُ وَهُمُ الْمَجُوسُ وَقَائِلُ هَذَا يَقُولُ يُقْتَلُ الرُّهْبَانُ إِذَا لَمْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ لِقَوْلِ اللَّهِ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} التوبة: 5 وَلَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ بِتَرْكِهِمْ إِلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى
ص: 501 وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ لَا يُقْتَلُ الرُّهْبَانُ إِنْ لَمْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ لِأَنَّ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللِّسَانِ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ قَالَ اللَّهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} التوبة: 29 وَقَاتِلُوا فِي اللُّغَةِ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ فَخَرَجَ مِنْ هَذَا الرُّهْبَانُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لِأَنَّهُمْ لَيْسَتْ سَبِيلُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا وَمَعْنَى لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ لَا يُؤْمِنُونَ بِأَنَّهُ لَا مَعْبُودَ إِلَّا اللَّهُ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الْأَصْلُ إِلَهٌ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْأَصْلُ الْإِلَهُ ثُمَّ أُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ ثُمَّ أُدْغِمَ فَالتَّقْدِيرُ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْإِلَهِ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْأُلُوهَةُ إِلَّا لَهُ؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ {وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخَرِ} النساء: 38 لِأَنَّهُمْ لَا يُقِرُّونَ بِنَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَا بِالنَّارِ لِمَنْ أَعَدَّهَا اللَّهُ لَهُ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} التوبة: 29 وَهِيَ فِعْلَةٌ مِنْ جَزَى فُلَانٌ فُلَانًا يَجْزِيهِ إِذَا قَضَاهُ أَيْ لَا يُؤَدُّونَ مَا عَلَيْهِمْ مِمَّا يَحْفَظُ رِقَابَهُمْ وَيَذِلُّونَ بِهِ عَنْ يَدٍ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فَمَا حُفِظَ فِيهِ عَنْ صَحَابِيٍّ أَنَّ مَعْنَى {عَنْ يَدٍ} التوبة: 29 أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَهُوَ قَائِمٌ وَالْآخْذُ مِنْهُ قَاعِدٌ هَذَا عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
ص: 502 وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَقِيلَ عَنْ يَدٍ عَنْ إنعامٍ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ عَنْ يَدٍ أَيْ يُؤَدِّيهَا بِيَدِهِ وَلَا يُوَجَّهُ بِهَا مَعَ رَسُولِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَعْنَى عَنْ يَدٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهُوَ ذَلِيلٌ يُقَالُ أَدَّى ذَلِكَ عَنْ يَدِهِ وَعَنْ يَدٍ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ بَايَعْتُهُ يَدًا بِيَدٍ {وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة: 29 قَالَ عِكْرِمَةُ «إِعْطَاؤُهُ إِيَّاهَا صَغَارٌ لَهُ» ، وَقَالَ غَيْرُهُ وَأَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أُدْخِلَتِ الْآيَةُ الْخَامِسَةُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ