ولما كتب هرمز إلى ملكهم بكتاب خالد إليه بمسيره من اليمامة نحوه، أمده بقارن بن قربانس، فخرج من المدائن ممدّا لهرمز؛ حتى إذا انتهى إلى المذار بلغته الهزيمة؛ وانتهى إليه الفلال فتذامروا، وقال فلال الأهواز وفارس لفلال السواد والجبل: إن افترقتم لم تجتمعوا بعدها أبدا؛ فاجتمعوا على العدو مرة واحدة، فهذا مدد الملك وهذا قارن، لعل الله يديلنا ويشفينا من عدونا وندرك بعض ما أصابوا منّا. ففعلوا وعسكروا بالمذار، واستعمل قارن على مجنبتيه قباذ وأنوشجان، فأرسل المثنى إلى خالد بالخبر؛ فعند ذلك قسم خالد الفىء على من أفاء الله عليه، ونفل من الخمس ما شاء الله، وبعث مع الوليد ابن عقبة ببقيته، وبالفتح إلى أبى بكر، وبالخبر عن القوم، وباجتماع المغيث منهم والمغاث إلى الثنى، وهو النهر، وخرج خالدا سائرا إليهم حتى ينزل المذار، فالتقوا وخالد على تعبئته، فاقتتلوا على حنق وحفيظة، وخرج قارن يدعو للبراز، فبرز له خالد وأبيض الركبان معقل بن الأعشى بن النباش، فابتدراه، فسبقه إليه معقل فقتله، وقتل عاصم أنو شجان، وقتل عدى قباذ. وكان شرف قارن قد انتهى؛ ثم لم يقاتل المسلمون بعده أحدا انتهى شرفه فى الأعاجم.
وقتلت فارس مقتلة عظيمة؛ فضموا السفن ومنعت المياه المسلمين من طلبهم. وأقام خالد بالمذار، وسلم الأسلاب لمن سلبها بالغة ما بلغت وقسم الفىء ونفل من الأخماس ما نفل فى أهل البلاء، وبعث ببقيتها إلى أبى بكر، رضى الله عنه.
وعن الشعبى قال: دفع خالد إلى أبيض الركبان سلب قارن وقيمته مائة ألف، وإلى عاصم وعدى سلب أنوشجان وقباذ، وقيمة سلب كل واحد منهما ثلاثة أرباع الشرف.
وعن أبى عثمان قال: قتل ليلة المذار ثلاثون ألفا سوى من غرق، ولولا المياه لأتى على آخرهم، ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة أو أشباه العراة.
قال الشعبى: لم يلق خالد أحدا بعد هرمز إلا كانت الوقعة الآخرة أعظم من التى قبلها.
وأقام خالد بالثنى يسبى عيالات المقاتلة ومن أعانهم، وأقر الفلاحين ومن أجاب إلى الخراج من جميع الناس بعد ما دعوا، وكل ذلك أخذ عنوة، ولكن دعوا إلى الجزاء فأجابوا وتراجعوا، وصاروا ذمة، وصارت أرضهم خراجا؛ وكذلك جرى ما لم يقسم، فإذا اقتسم فلا، ومن ذلك السبى كان حبيب أبو الحسن البصرى، وكان نصرانيا.
وقال عزيز بن مكنف: لم يدع خالد بعد هرمز أحدا من الأعاجم حتى هلك أزدشير