وقد كانت قدمت بجيلة فيهم جرير بن عبد الله، وسيدهم عرفجة بن هرثمة البارقى، حليف لهم، فقال عمر: اخرجوا إلى العراق، وأمر عليهم عرفجة، فقال جرير لبجيلة:
أخبروا عمر أنه ولى عليكم رجلا ليس منكم، وكانت بجيلة قد غضبت على عرفجة فى أمر عرض بينهم وبينه، فكلموا عمر فى ذلك واستعفوه منه، فقال: لا أعفيكم من أقدمكم هجرة وإسلاما، وأعظمكم بلاء وإحسانا، فلما أعلموه أنه ليس منهم، قال لعرفجة: إن هؤلاء استعفونى منك، وزعموا أنك لست منهم، فما عندك؟ قال: صدقوا، لست منهم وما يسرنى أننى منهم، أنا امرؤ من الأزد من بارق فى كثف لا يحصى عدده، وحسب غير مؤتشب. فقال عمر: نعم الحى الأزد، يأخذون نصيبهم من الخير والشر.
وقال عرفجة: إنه كان من شأنى أن الشر تفاقم فينا، ودارنا واحدة، وأصبنا الدماء، ووتر بعضنا بعضا فاعتزلتهم لما خفتهم، فكنت فى هؤلاء أسودهم وأقودهم، فحفظوا علىّ لأمر دار بينى وبين دهاقنتهم، فحسدونى وكفرونى، فقال: لا يضرك فاعتزلهم إذ كرهوك.
وقيل: إن عمر قال: اثبت على منزلتك ودافعهم، قال: لست فاعلا، ولا سائرا، فأمر عليهم جرير بن عبد الله، وقيل: إن جريرا كان إليه من بجيلة بعضها، فجمعها إليه عمر، وقال له جرير: يا أمير المؤمنين إن قومى متفرقون فى العرب، فأخرجهم وأنا أغزو بهم أرض فارس، وكانوا متفرقين فى هوزان وغطفان وتميم وفى أزد شنوءة والطائف وجرش، فكتب عمر إلى القبائل التى فيها بجيلة: أى نسب تواصل عليه الناس قبل الإسلام فهو النسب ليس لأحد أن يدعه، وليس له أن ينتقل إلى غير ما كان يعرف به، فمن كان من بجيلة لم ينتسب إلى غيرهم حتى جاء الإسلام فلا تحولوا بينهم وبين الرجوع إلى قومهم، فخرج قيس كبة وشحمة وعرينة من هوازن وغيرها من القبائل، وخرج العتيل والفتيان من بنى الحارث وخرج على وذبيان من الأزد بالسراة، ولما أعطى عمر، رضى الله عنه، جريرا حاجته فى استخراج بجيلة من الناس فأخرجهم، أمرهم بالموعد بين مكة والمدينة، ولما تتاموا قال لجرير: اخرج حتى تلحق بالمثنى، فكره ذلك جرير ومال إلى الشام، فقال له عمر: قد علمتم ما لقى إخوانكم بأرض فارس، فاخرجوا فإنى أرجو أن يورثكم الله أرضهم وديارهم، ولك الربع من كل شىء بعد الخمس، وقيل: بل جعل له ولقومه ربع الخمس مما أفاء الله عليه فى غزاتهم هذه، له ولمن اجتمع إليه ومن أخرج له من القبائل، استصلحهم عمر، رضى الله عنه، بذلك، إذ كان هواهم