مهران: إما أن تعبروا إلينا، وإما أن نعبر إليكم، فقال المثنى: اعبروا فعبر مهران، فنزل على شاطئ الفرات معهم فى الملطاط، فقال المثنى لذلك السوادى: ما يقال لهذه الرقعة التى نزلها مهران وعسكره؟ فقال: شوميا، وذلك فى رمضان، فنادى المثنى فى الناس:
انهدوا لعدوكم، فتناهدوا، ومهران فى ثلاثة عشر ألفا معه ثلاثة فيلة، فقدموا فيلتهم واستعدوا للحرب، فأقبلوا إلى المسلمين فى ثلاثة صفوف، مع كل صف فيل، ورجلهم أما فيلهم، وجاؤا ولهم زجل. فقال المثنى للمسلمين: إن الذى تسمعون فشل، فالزموا الصمت وائتمروا همسا، والمسلمون أربعة آلاف، ألفان وثمانمائة من اليمن، وألف ومائتان من سائر الناس، ويقال: كانوا ستة آلاف، وألف ومائتان من تميم وقيس وبكر، وسائرهم من اليمن.
وتنازع جرير والمثنى الإمارة يومئذ، فقال له المثنى: إنما بعثك أمير المؤمنين مددا لى، وقال جرير: بل استعملنى، فقيل: صار الأمر بينهما إلى ما قال المثنى، فكان هو الأمير، وقيل: صار جرير أميرا على من قدم معه والمثنى أميرا على من قدم قبل ذلك، ومن قال هذا زعم أن المثنى قال لجرير عند ما نهدوا للعدو: خلنى وتعبئة الناس، ففعل جرير وعبأ المثنى الجيش فصير مضر وربيعة فى القلب، وصير اليمن ميمنة، وميسرة، وقال المثنى: يا معشر المسلمين، إنى قد قاتلت العرب والعجم، فمائة من العرب كانوا أشد علىّ من ألف من العجم، ويقال: إنه قال لهم: قاتلت العرب والعجم فى الجاهلية والإسلام والله لمائة من العجم فى الجاهلية كانوا أشد علىّ من ألف من العرب، ولمائة من العرب اليوم أشد علىّ من ألف من العجم، إن الله قد أذهب مصدوقتهم، ووهن كيدهم، فلا يهولنكم سوادهم، إن للعجم قسيّا لجا، وسهاما طوالا هى أغنى سلاحهم عندهم فلو قد لقوكم رموكم بها، وإذا أعجلوا عنها أو فقدوها، فهم كالبهائم أينما وجهتموها توجهت، فتترسوا والزموا مصافكم واصبروا لشدة أو شدتين، ثم أنتم الظاهرون إن شاء الله تعالى.
وركب يومئذ فرسا ذنوبا أدهم يدعى الشموس للين عريكته وطهارته، وكان لا يركبه إلا لقتال ويدعه ما لم يكن قتال، ومر على الرايات يحض القبائل، فقال له شرحبيل بن السمط: ما أنصفتنا يا مثنى، جعلت معدك وسطا وجعلتنا ميمنة وميسرة، قال: إذا أنصفكم، الله ما أريد لهم شيئا من الخير إلا وأنا أريد لكم مثله، وما عهدى بمعد يدرى بالناس من البأس، ثم صير تميما مع الأزد فى الميمنة، وصير ربيعة مع كندة فى الميسرة، وصفوا صفوفهم، وقال: الزموا الصمت فإنى مكبر ثلاث تكبيرات، فإذا