ليطعنه عدل طليحة فرسه، فبدر الفارسى بين يديه، فكر عليه طليحة فقسم ظهره بالرمح، ثم لحق به آخر ففعل به مثل ذلك، ولحق به آخر وقد رأى مصرع صاحبيه، وهما ابنا عمه، فازداد حنقا ففعل معه طليحة كما فعل معهما، ثم كر عليه ودعاه إلى الإسار، فعرف الفارسى، أنه قاتله، فاستأسر، وأمره طليحة أن يركض بين يديه، ففعل، ولحق الناس، فرأوا فارسى الجند قد قتلا وأسر الثالث، وقد شارف طليحة عسكر المسلمين، فأحجموا ونكصوا.
وأقبل طليحة حتى غشى العسكر، وهم على تعبئة، فأفزع الناس، وجوزوه إلى سعد، فلما انتهى إليه قال: ويحك ما وراءك قال: دخلت عساكرهم وجستها، وقد أخذت أفضلهم توسما، وما أدرى أصبت أو أخطأت وها هو ذا فاستخبره. فأقيم الترجمان بين سعد وبين الفارسى، فقال الفارسى: أتؤمننى على دمى إن صدقتك؟ قال: نعم، والصدق فى الحرب أحب إلينا من الكذب، قال: أخبركم عن صاحبكم هذا قبل أن أخبركم عمن قبلى، باشرت الحرب وغشيتها، وسمعت بالأبطال ولقيتها مذ أنا غلام إلى أن بلغت ما ترى، فلم أر ولم أسمع بمثل هذا، أن رجلا قطع عسكرين لا يجترئ عليهما الأبطال إلى عسكر فيه سبعون ألفا يخدم الرجل منهم الخمسة والعشرة إلى ما هو دون ذلك، فلم يرض أن يخرج كما دخل حتى سلب فارس الجند وهتك أطناب بيته، وطلبناه فأدركه الأول وهو فارس الناس، يعدل بألف فارس، فقتله، ثم أدركه الثانى، وهو نظيره فقتله، ثم أدركته ولا أظننى خلفت بعدى من يعدلنى، وأنا الثائر بالقتيلين، وهما ابنا عمى، فرأيت الموت فاستأسرت ثم أخبره عن أهل فارس، أن الجند عشرون ومائة ألف، وأن الأتباع مثلهم خدام لهم. وأسلم الرجل وسماه سعد مسلما، وعاد إلى طليحة فقال:
لا والله ما تهزمون ما دمتم على ما أرى من الوفاء والصدق والإصلاح والمواساة، لا حاجة لى فى صحبة فارس، فكان من أهل البلاء يومئذ.
وعن موسى بن طريف «1» أن سعدا بعث طليحة وعمرو بن معدى كرب، فأمر طليحة بعسكر رستم، وأمر عمرا بعسكر الجالينوس، فخرج فى عدة، وخرج طليحة وحده، فبعث قيس بن هبيرة فى آثارهما، وقال: إن لقيت قتالا فأنت عليهم، فخرج حتى تلقى عمرا، فسأله عن طليحة، فقال: لا علم لى به، فلما انتهيا إلى النجف قال له قيس: ما تريد؟ قال: أن أغير على أدنى عسكرهم، قال: فى هؤلاء قال: نعم، قال: لا أدعك والله وذاك أتعرض المسلمين لما لا يطيقون قال: وما أنت وذاك قال: إنى أمرت