عليك، ولو لم أكن أميرا لم أدعك. فقال عمرو بعد أن شهد لقيس نفر باستعمال سعد إياه عليه وعلى طليحة: والله يا قيس، إن زمانا تكون علىّ فيه أميرا لزمان سوء؛ لأن أرجع عن دينكم هذا إلى دينى الذى كنت عليه وأقاتل عليه حتى أموت أحب إلىّ أن تؤمر علىّ ثانية، ولئن عاد صاحبك الذى بعثك لمثلها لنفارقنه، قال: ذلك إليك بعد مرتك هذه، فرده، فرجع إلى سعد بالخبر وبأعلاج وأفراس، وشكا كل واحد منهما لصاحبه، أما قيس فشكا عصيان عمرو، وأما عمرو فشكا طاعة قيس، فقال سعد: يا عمرو، الخير وسلامة مائة أحب إلىّ من مصاب مائة تقتل ألفا، أتعمد إلى حلبة فارس فتصادمهم بمائة؟ إن كنت لأراك أعلم بالحرب مما أرى. فقال له عمرو: إن الأمر لكما.
قلت: وخرج طليحة حتى أتى النجف فدخل عسكر رستم فى ليلة مقمرة، فتوسم فيه، فهتك أطناب بيت رجل عليه واقتاد فرسه، ثم خرج حتى مر بعسكر ذى الحاجب، فهتك على آخر بيته وحل فرسه، ثم خرج حتى أتى الخرار واتبعه هؤلاء، فكان أولهم لحاقا به الجالينوس ثم الحاجبى ثم النخعى، فأصاب الأولين وأسر الآخر، وأتى به سعدا فأخبره، وأسلم فسماه سعد مسلما، ولزم طليحة فكان معه فى تلك المغازى كلها.
وعن موسى بن طريف، أيضا، قال: قال سعد لقيس بن هبيرة: أخرج يا عاقل، فإنه ليس وراءك من الدنيا شىء تحنو عليه حتى تأتينى بخبر القوم، فخرج، وسرح معه عمرو ابن معدى كرب وطليحة، فلما جاز القنطرة لم يسر إلا يسيرا حتى انتهى إلى خيل عظيمة منهم بحيالها ترد عن عسكرهم، وإذا رستم قد ارتحل من النجف فنزل منزل ذى الحاجب، وارتحل الجالينوس فنزل ذو الحاجب منزله، ونزل الجالينوس بطيزناباذ «1» ، وقدم تلك الخيل، فقال قيس: قاتلوا عدوكم يا معشر المسلمين. فأنشب القتال، وطاردهم ساعة، ثم حمل عليهم، فكانت هزيمتهم، وأصاب منهم اثنى عشر رجلا، وأسر ثلاثة، وأصاب أسلاب، فأتوا سعدا بالغنيمة وأخبروه الخبر، فقال: هذه بشرى إن شاء الله، إذا لقيتم جمعهم الأعظم وحدهم، فلهم أمثالها، ودعا عمرا وطليحة، فقال: كيف رأيتما قيسا؟ فقال طليحة: رأيناه أكيس منا، وقال عمرو: الأمير أعلم بالرجال منا، فقال سعد:
إن الله أحيا بالإسلام قلوبا كانت ميتة، وأمات به قلوبا كانت حية، وإنى أحذركما أن تؤثرا أمر الجاهلية على أمر الإسلام، فتموت قلوبكما وأنتما حيان، الزموا السمع والطاعة والاعتراف بالحقوق، فما رأى الناس كأقوام أعزهم الله بالإسلام.