وخرج يومئذ رجل من أهل فارس ينادى: من يبارز، فبرز له علباء بن جحش العجلى، فبعجه علباء، فأصاب سحره، وبعج الفارسى علباء فخرق أمعاءه، وخرا جميعا، فأما الفارسى فمات من ساعته، وأما الآخر فانتثرت أمعاؤه، فلم يستطع القيام، فعالج ادخالها فلم يتأت له حتى مر به رجل من المسلمين فقال له: يا هذا أعنى على بطنى، فأدخله له، فأخذ بصفاقيه ثم زحف نحو صف فارس ما يلتفت إلى المسلمين، فأدركه الموت على رأس ثلاثين ذراعا من مصرعه إلى صف فارس. فقال:
أرجو بها من ربنا الثوابا
... قد كنت ممن يحسن الضرابا
قالوا «1» : وقاتلت الفرسان يوم الكتائب فيما بين أن أصبحوا إلى انتصاف الليل، فكانت ليلة أرماث تدعى ليلة الهدأة، وليلة أغواث تدعى ليلة السواد، والنصف الأول يدعى السواد، ثم لم يزل المسلمون يرون فى يوم أغواث الظفر على فارس، وقتلوا فيه عامة أعلامهم، وجالت فيه خيل القلب، وثبت رجلهم، فلولا أن خيلهم كرت أخذ رستم أخذا، فلما ذهب السواد تفايأ الناس وباتوا على مثل ما بات القوم عليه ليلة أرماث، ولم يزل المسلمون ينتمون لدن أمسوا إلى أن تفايأوا.
فلما أمسى سعد وسمع ذلك نام، وقال لبعض من عنده: إن تم الناس على الانتماء فلا توقظونى، فإنهم أقوياء على عدوهم، وإن سكتوا ولم ينتم الآخرون فلا توقظونى، فإنهم على التساوى، فإن سمعتم ينتمون فأيقظنى، فإنما انتماؤهم من السوء.
قالوا «2» : ولما اشتد القتال بالسواد، وكان أبو محجن قد حبس وقيد، فهو فى القصر، صعد حين أمسى إلى سعد يستعفيه ويستقيله، فزبره سعد ورده فنزل، وأتى سلمى بنت خصفة، فقال لها: يا بنت خصفة، هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تخلين عنى وتعيرننى البلقاء، فالله علىّ إن سلمنى الله أن أرجع إليك حتى أضع رجلى فى قيدى، وإن أصبت وخشيت هذا فما أكثر من يفلت ويجرب صاحبه. فقالت: وما أنا وذاك فرجع يرسف فى قيوده ويقول:
كفى حزنا أن تردى الخيل بالقنا
... وأترك مشدودا علىّ وثاقيا
إذا قمت عنانى الحديد وأغلقت
... مصاريع من دونى تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة
... فقد تركونى واحدا لا أخا ليا