فإنه آية الإسلام، وإذا رآه من يأتى فى مستقبل الزمان علم أن أصحاب مملكته لم يغلبوا عليه إلا بأمر من عند الله وبتأييد أمد به المسلمين الذين قهروهم، وبقاؤه فخر لكم وذكر، ومع هذا فالمؤونة فى هدمه أكثر من العائد عليه، فاستغشه المنصور فى ذلك، وقال له: يا خالد، أبيت إلا ميلا مع العجمية، ثم أمر بنقض الإيوان، فبلغت النفقة فى نقض الشىء اليسير منه مبلغا عظيما، فكتب إليه بذلك فعزم على تركه، وقال لخالد بن برمك: قد صرنا إلى رأيك، فقال له خالد: إن رأيى الآن أن تبلغوا به الماء، فقال له المنصور: وكيف ذلك؟ قال: لأنى آنف لكم أن يكون أولئك بنوا بناء تعجزون أنتم عن هدمه والهدم أسهل من البناء. ففكر المنصور فى قوله فعلم أنه قد صدق، ثم نظر فإذا هدمه يتلف الأموال فأمر بالإمساك عنه. وكان بعد يقول: لقد حبب إلىّ هذا البناء أن لا أبنى إلا بناء جليلا يصعب هدمه.
وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالاستيلاء على مملكة فارس ووعدهم بافتتاح المدائن، فضرب يوم الخندق بمعول أخذه صخرة عظيمة اعتاصت عليهم فى الخندق، فكسر ثلثها بضربة، وقال: «الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إنى لأبصر قصورها الحمر الساعة» ، ثم ضرب الثانية فكسر ثلثها الثانى وقال: «الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إنى لأبصر قصر المدائن الأبيض» ، ثم ضرب الثالثة فكسر بقية الحجر وقال:
«الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إنى لأرى أبواب صنعاء من مكانى هذا الساعة» فصدق الله وعده وأنجز لمحمد صلى الله عليه وسلم ما بشرهم به واستأصل بهم مملكة فارس، وفتح عليهم المدائن فى زمان عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر سيف بن عمر عمن سماه من رجاله «1» وربما زدت فى تضاعيفه من حديث غيره، قالوا: عهد عمر، رضى الله عنه، إلى سعد حين أمره بالمسير إلى المدائن أن يخلف النساء والعيال بالعتيق، ويجعل معهم كثفا من الجند ففعل، وعهد إليه أن يشركهم فى كل مغنم ما داموا يخلفون المسلمين فى عيالاتهم قالوا: وكان مقام سعد بالقادسية بعد الفتح شهرين فى مكاتبة عمر، رضى الله عنه، فى العمل بما ينبغى، فقدم سعد زهرة بن جوية نحو اللسان، وهو لسان البحر الذى أدلعه فى الريف، وعليه الكوفة اليوم، وكانت عليه قبل اليوم الحيرة، وكان النخيرجان معسكرا به فأرفض ولم يثبت حين سمع بمسيرهم إليه، ولحق بأصحابه. ثم أمر سعد عبد الله بن المعتم أن يتبع زهرة وأمر شرحبيل بن السمط أن يتبع عبد الله ثم أتبعهم هاشم بن عتبة وولاه خلافته التى كان