وأصابوا فى خزائنهم ما عجزوا عن حمله من المتاع وصنوف الأطعمة ما لا يوصف كثرة، فأمر سعد بجمع ذلك، فجمع وولاه النعمان بن مقرن ثم تلا:
أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إبراهيم: 44، 45 .
وكتب سعد إلى عمر بفتح المدائن وبهرب ابن كسرى، فكتب إليه عمر:
أوصيك بتقوى الله الذى بتقواه سعد من سعد وبترك تقواه شقى من شقى، وقد عرفت بلاء الله عندنا أيها الرهط أنه استنقذنا من الشرك وأهله، وأخرجنا من عبادة أوثانهم، وهدانا من ضلالتهم، وعرفت مخرجنا من عندهم، كيف خرجنا، وأن الرهط على بعير عليه أنفسهم وزادهم يتعاور اللحاف الواحد العدة منا من بلغ مأمنه منا بلغ مجهودا، ومن أقام فى أرضه أقام مفتونا فى دينه معذبا فى بدنه، أشد أهله عليه أقربهم منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بالله لتأخذن كنوز كسرى وقيصر، يعجب من ذلك من سمعه، فأبقاك الله حتى وليت ذلك بنفسك، فأعرض عن زهرة ما أنت فيه، حتى تلقى الخماص الذين ذهبوا فى شمالهم، لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب، لم تفتنهم الدنيا، ولم يغتروا بها، فاقتدوا بهديهم، ولا تضللن أنفسكم، وكونوا الأمة الممدوحة المباركة التى قال الله تبارك وتعالى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ الأنبياء:
73 .
قال: وحصر سعد الرومية تسعة أشهر حتى أكل السنانير والكلاب بعضهم، فأتى سعدا رجل مستأمن، فسأله الأمان لنفسه وأهله، على أن يدله على عورة المدينة، فأمنه فدله على مجرى الماء إلى المدينة، وكان يأتيهم الماء فى قناة من دجلة، فغورها المسلمون فارتحل أهل الرومية حين انقطع الماء عنهم من ليلتهم، وحملوا ما خف من أموالهم، وخرجوا على حامية معهم أثقالهم، فأخذوا طريق خراسان، فأتت امرأة منهم سعدا فسألته الأمان فأمنها، فقالت لم يبق فى المدينة أحد من المقاتلة ولا عيالاتهم، بقى قوم ضعفاء، فدخلها سعد، فأصابوا متاعا كثيرا وسلاحا وسبيا قليلا، فبعث بخمس ما أصاب من الرومية، وما صالح عليه أهل المدائن إلى عمر مع بشير بن الخصاصية.
وذكر من حديث البساط الذى مر ذكره نحوا مما تقدم.
وذكر، أيضا، عن حرملة بن صدقة بإسناده إليه قال: غزوت خراسان فرأيت رجلا