وكتب عمر إلى عتبة وأهل البصرة بمثل ذلك، وعهد عمر إلى الوفد، وتقدم إلى الناس ألا يرفعوا بنيانا فوق القدر، قالوا: وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم من السرف، ولا يخرجكم من القصد.
فأول شىء خط بالكوفة، وبنى حين عزموا على البناء المسجد، فاختط ثم قام رجل شديد النزع، فرمى عن يمينه ومن بين يديه ومن خلفه وعن شماله، وأمر من شاء أن يا بنى وراء مواقع تلك السهام، وبنوا لسعد دارا بحياله، بينهما الطريق، وجعل فيها بيوت الأموال، وهى قصر الكوفة اليوم، وبنى سعد فى الذى خطوا للقصر قصرا بحيال محراب مسجد الكوفة اليوم، وجعل فيه بيت المال، وسكن ناحيته، ثم إن بيت المال نقب عليه منه، فأخذ منه المال.
وكتب سعد بذلك إلى عمر، ووصف له موضع الدار وبيوت المال من الصحن، فكتب إليه عمر: أن انقل المسجد حتى تضعه إلى جانب الدار، واجعل الدار قبالته، فإن للمسجد أهلا بالنهار وبالليل، وفيهم حصن لمالهم، فنقل المسجد وأراع بنيانه، فقال له دهقان من أهل همذان، يقال له روزبة بن بزرجمهر: أنا أبنيه لك، وأبنى لك قصرا وأصلهما، ويكون بنيانا واحدا، فخط قصر الكوفة على ما خط عليه، ثم أنشأه من بعض آجر قصر كان للأكاسرة فى ضواحى الحيرة على مساحته اليوم، ووضع المسجد بحيال بيوت الأموال، وكان بنيانه على أساطين من رخام، كانت لكنائس لكسرى بغير مجنبات، فلم يزل على ذلك حتى بنى زمن معاوية بنيانه اليوم على يدى زياد.
ولما أراد زياد بناءه دعا بنائين من بنائى الجاهلية، فوصف لهم موضع المسجد وقدره وما يزيد من طوله فى السماء، وقال: أشتهى من ذلك شيئا لا أقع على صفته، فقال له بناء قد كان بنى لكسرى: لا يجىء هذا إلا بأساطين من جبال الأهواز، تنقر ثم تثقب، وتحشى بالرصاص وبسفافيد الحديد، فترفعه ثلاثين ذراعا فى السماء ثم تسقفه، ثم تجعل له مجنبات ومواخر، فيكون أثبت له، فقال: هذه الصفة التى كانت نفسى تنازعنى إليها ولم تعبرها.
قال عطاء مولى إسحاق بن طلحة: كنت أجلس فى المسجد الأعظم من قبل أن يبنيه زياد، وليست له مجنبات ولا مواخر، فأرى منه دير هند وباب الجسر.
وذكر الطبرى «1» عن المدائنى أن عمر بن الخطاب وجه عتبة بن غزوان إلى البصرة