قال: فرضى به منهم جزاء ورضى القوم بذلك، فبنو تغلب تسمى جزيتهم صدقة، وأما تنوخ فلم تبال أى ذلك كان، فهم يسمونها الجزية، وكان فى بنى تغلب عز وامتناع، فلا يزالون ينازعون الوليد فيهم بهم ويقول:
إذا ما عصبت الرأس منى بمشوذ
... فغيك منى تغلب ابنة وائل
وبلغت عمر، رحمه الله، فخاف أن يخرجوه وأن يضعف صبره فيسطو عليهم، فعزله وأمر عليهم فرات بن حيان وهند بن عمرو الجملى.
ذكر فتح سوق الأهواز ومناذر ونهرتير «1»
ذكر سيف عن شيوخه، قالوا «2» : لما انهزم الهرمزان بالقادسية، جعل وجهه إلى أمته، فملكهم وقاتل بهم من أرادهم، فكان يغير على ميسان ودست ميسان من وجهين، من مناذر ونهرتير، فاستمد عتبة بن غزوان سعدا، فأمده بنعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود، وأمرهما أن يكونا بين أهل ميسان ودست ميسان وبين نهرتير، ووجه عتبة، سلمى بن القين وحرملة بن مريطة الحنظليين، فنزلا على حدود أرض ميسان ودست ميسان، بينهم وبين مناذر، ودعوا بنى العم بن مالك، فخرج إليهم غالب الوائلى وكليب بن وائل الكلبى، فتركا نعيما ونعيما، وأتيا سلمى وحرملة، وقالا: أنتما من العشيرة، وليس لكما منزل، فإذا كان يوم كذا فانهدوا للهرمزان، فإن أحدنا يثور بمناذر، والآخر بنهرتير، فنقتل المقاتلة، ثم يكون وجهنا إليكم، فليس دون الهرمزان شىء إن شاء الله.
فلما «3» كانت ليلة الموعد، خرج سلمى وحرملة صبيحتها فى تعبئة، وأنهضا نعيما، ونعيم وسلمى على أهل البصرة، ونعيم بن مقرن على أهل الكوفة، فالتقوا هم والهرمزان بين دلث ونهرتير فاقتتلوا، فبينا هم فى ذلك أقبل المدد من قبل غالب وكليب، وأتى الهرمزان الخبر بأخذ مناذر ونهرتير، فكسر الله فى ذرعه وذرع جنده، وهزمه وإياهم، فقتل المسلمون منهم ما شاؤا وأصابوا ما شاؤا، واتبعوهم حتى وقفوا على شاطئ دجيل، وأخذوا ما دونه، وعسكروا بحيال سوق الأهواز، وقد عبر الهرمزان جسر سوق الأهواز، وأقام بها، وصار دجيل بينه وبين المسلمين، ورأى الهرمزان ما لا طاقة له به،