فطلب الصلح وكتبوا إلى عتبة يستأمرونه فيه، وكاتبه الهرمزان، فأجاب عتبة إلى ذلك على الأهواز كلها ومهرجان قذق، ما خلا نهرتير ومناذر، وما غلبوا عليه من سوق الأهواز، فإنا لا نرد عليهم ما تنقذنا.
وجعل عتبة على مناذر سلمى بن القين مسلحة وأمرها إلى غالب، وحرملة على نهرتير، وأمرها إلى كليب، فكانا على مسالح البصرة، وهاجرت طوائف بنى العم، فنزلوا البصرة، وجعلوا يتبايعون على ذلك، وكتب عتبة بذلك إلى عمر، رحمه الله، ووفد وفدا منهم سلمى وحرملة، وأمرهما أن يستخلفهما على عمليهما وغالب وكليب، ووفد يومئذ من البصرة وفودا، فأمرهم عمر أن يرفعوا حوائجهم، فكلهم قال: أما العامة فأنت صاحبها، فلم يبق إلا خواص أنفسنا، فطلبوا لأنفسهم، إلا ما كان من الأحنف بن قيس، فإنه قال: يا أمير المؤمنين، إنه لكما ذكروا، ولقد يغرب عنك ما يحق علينا إنهاؤه إليك مما فيه صلاح العامة، وإنما ينظر الوالى فيما غاب عنه بأعين أهل الخير، ويسمع بآذانهم، وإنا لم نزل ننزل منزلا بعد منزل حتى أرزنا إلى البر، وإن إخواننا من أهل الكوفة نزلوا فى مثل حدقة البعير الغاسقة، من العيون العذاب، والجنان الخصاب، فتأتيهم ثمارهم غضة، لم تخضد، وإنا معاشر أهل البصرة نزلنا بسبخة هشاشة زعقة نشاشة، طرف لها فى الفلاة، وطرف لها فى البحر الأجاج، يجر إليها ما جر فى مثل مرىء النعامة، دارنا مفعمة، ووظيفتنا ضيقة، وعددنا كثير، وأشرافنا قليل، وأهل البلاء فينا كثير، ودرهمنا كبير، وفقيرنا صغير، وقد وسع الله علينا، وزادنا فى أرضنا، فوسع علينا يا أمير المؤمنين، وزدنا وظيفة، تطوف علينا، ونعيش بها.
فنظر عمر إلى منازلهم التى كانوا بها، إلى أن صاروا إلى الحجر، فنفلهموها، وأقطعهم إياها، وكان ذلك مما كان لآل كسرى، فصار فيئا فيما بين دجلة والحجر، فاقتسموه، وكان سائر ما كان آل كسرى فى أرض البصرة على حال ما كان فى أرض الكوفة ينزلونه من أحبوا، ويقتسمونه بينهم، لا يستأثرون به على بدء ولا ثنى، بعد ما يرفعون خمسه إلى الوالى. فكانت قطائع أهل البصرة نصفين، نصفها مقسوم، ونصفها متروك للعسكر وللاجتماع، وكان أصحاب الألفين ممن شهد القادسية ثم أتى البصرة مع عتبة خمسة آلاف، وكانوا بالكوفة ثلاثين ألفا، فألحق عمر أعدادهم بأهل البصرة، حتى ساواهم بهم، ألحق جميع من شهد الأهواز، ثم قال: هذا الغلام سيد أهل البصرة، يعنى الأحنف، وكتب إلى عتبة أن يسمع منه، ورد سلمى وحرملة وغالبا وكليبا إلى مناذر ونهرتير، فكانوا عدة فيها لما يعرض.