جهلاء حتّى رمته العرب عن قوسٍ واحدة , حتى أهْلُه وبنو عمّه وعشيرته , وهو مع ذلك من قوّة القلب وثبوت الجأش بالمنزلة التي لا يَجهلها من وقف على سيرته , وتدبّر أحواله مع قومه , بما ألقى الله في قلوب أعدائه من الرهبة والجَزَع أن يهجموا عليه , ولقد (1) تَمالَأ عليه القبائل ليقتلوه كما قال (الله) (2) تعالى مخبراً عنهم: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} الأنفال: 30 فقد كان الله سبحانه يحفظه ويصونه ويصرف عنه من أراده بالسّوء من كفّار قريش حتى صرف عنه شتمهم وسبّهم (كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش وسبهم) (3) ولعنهم فإنهم يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وأنا محمّد» (4) , وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر , فتعاقدوا باللات والعزى , ومناة الثالثة الأخرى وإسافَ ونائلة: لو رأينا محمّداً قمنا إليه قيام رجل واحد , فلم نفارقه حتى نقتله , فدخلت فاطمة عليها السلام (5) على (6) أبيها - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي فقالت له: إن الملأ من قومك اجتمعوا في الحجْر فتعاقدوا على (7) أن لو رأوك قاموا إليك فقتلوك , وقد عرف كل رجل منهم نصيبه من دمك , فقال: «يا بُنَيَّة أدْنِي وَضُوءاً» فتوضّأ ثم دخل عليهم المسجد فلمّا رأوه قالوا هاهو هذا
, فَعَقِروا في مجالسهم , وخفضوا رؤسهم , ولم يقم إليه منهم رجل واحد , فأقبل رسول