وأما من ذهب إلى أنه يصير مجازا احتج فى ذلك وقال أن العموم فى وضع اللغة للاستيعاب فإذا اختص فقد استعمل اللفظ فى غير ما وضع له وإذا وجد حد المجاز لا بد أن يصير اللفظ مجازا.
قالوا: لا يجوز أن يقال أن أهل اللغة وضعوا اللفظ العام للاستغراق مع فقد القرينة ووضعوه للخصوص عند وجود القرينة وذلك لأنا لو اعتبرنا هذا لم يبق مجازا فى كلام العرب لأنه يمكن أن يقال أن الألفاظ كلها وضعت مع وجود القرائن لما تدل عليه القرائن فإن هذا رفع المجاز من الكلام أصلا لأن القرائن كثيرة لا تخص فلا يمكن أن يحصروها حتى يضعوا العموم مع كل واحد منهما لما يقتضيه.
ببينة أن العموم ضد الخصوص والخصوص ضد العموم فكيف يتصور مع وجود ضد العموم أن يبقى العموم على حقيقته.
قالوا: وأما إذا كانت القرينة المخصصة متصلة باللفظ مثل الاستثناء والشرط والصفة فإنما لم يصر مجازا لأن هذه الأشياء الثلاثة من جملة الكلام الملفوظ الذى هو العموم.
وإذا صار من جملته فلا يكون لفظ العموم بانفراده حقيقة ولا مجازا ويكون العموم مع الاستثناء أو الشرط أو الصفة بمجموعة حقيقة فيما يقتضيه وبيان هذا أن القائل إذا قال اضرب بنى تميم إلا من دخل الدار أو اضرب بنى تميم الطوال أو اضرب بنى تميم أن كانوا طوالا فإنه لم يرد بعضهم وحده لأنه لو كان كذلك ما كان قد أراد الاستثناء أو الشرط أو الصفة شيئا لأن هذه الأشياء لم توضع لشىء يستقل فى دلالتها عليه فيقال أن المتكلم قد أراد لها ذلك الشىء أو أراد بالعموم وحده البعض ولأنه إذا أراد البعض بلفظ العموم لم يبق شىء زائد بالاستثناء أو الشرط أو الصفة فثبت أنه عبر عن البعض بمجموع الأمرين وإذا ثبت أن المتكلم لم يرد بلفظه.