يدل على قبحه فيؤدى النسخ إلى أن يكون الشىء الواحد حسنا قبيحا وهذا لا يجوز وقد نقل اليهود عن موسى عليه السلام أن السبت لا ينسخ أبدا وربما قالوا: أنه قال شريعتي لا تنسخ أبدا وأما دليلنا فى جواز النسخ فنقول على من خالفنا ممن يدعى الإسلام قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} البقرة: 106 وقال تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} النحل: 101 ويدل عليه أن نكاح الأخوات كان جائزا فى شريعة آدم صلوات الله عليه وقد نسخ والأولى أن يدل بالدليل النقلى فإن هذا الخلاف مع اليهود فأما المسلمون فعندى أنهم مجمعون على الجواز والدليل العقلى أن الشىء يجوز أن يكون حسنا فى وقت قبيحا فى وقت ألا ترى أنه يحسن أن يقول السيد لعبده افعل كذا فى وقت كذا ولا تفعله فى وقت كذا ويحسن أن يقول الله تعالى تمسكوا بالسبت ما عشتم إلا السبت الفلانى وهذا لأنه يجوز أن يكون التمسك بالسبت مصلحة فى وقت ومفسدة فى وقت آخر كما يجوز أن يكون الرفق مصلحة لإنسان مفسدة لآخر وكذلك يجوز أن يكون مصلحة فى وقت مفسدة فى وقت وهذا كما يجوز كون الصحة والمرض والغنى والفقر مصلحة فى وقت دون وقت وكذلك السبت يجوز أن يكون مصلحة فى وقت دون وقت ولا فرق فى العقل بين هذه الأشياء وهذا على قول من يعتبر المصالح ومن هذا الجنس نقلت الأحوال بالإنسان من الطفولية والبلوغ والشباب والكهولة والشيخوخة وما هذا إلا تصريف الأمور على توجيه الحكمة وتدعو إليه المصلحة وابتلاء العباد وامتحان طاعتهم وقتا بعد وقت بالوجه الذى هو خير لهم وأدعى إلى صلاحهم وإن قلنا أن الله عز وجل يكلف عباده ما بينا ولم نعتبر وجوه المصالح فعلى هذا الطريق يجوز النسخ أيضا لأنه لا يجوز أن يكلفهم شيئا فى وقت ويكلفهم فى وقت آخر غيره على ما يشاء ويريد بين ذلك أنه إذا جاز أن يطلق الأمر والمراد إلى أن يعجز عنه لمرض أو غيره جاز أيضا أن ينسخه برهة من الزمان وأما الذى تعلقوا به من فصل البداء وإلحاق النسخ به فليس للقوم إلا ذلك وإذا بينا الفرق بين البداء والنسخ سقط كلامهم جملة.
فنقول البداء فى اللغة أصله بداء الشىء يبدو إذا ظهر بعد خفاء ويقال بدا لنا سور المدينة إذا ظهر من النسخ نقل وتغيير على ما سبق بيانه فلم يتفقا من مأخذ اللغة ولسان العرب فلم يجز أن يجعلا كشىء واحد وهذا لأنه إذا كان البداء من الظهور ويدل على أن بدا له شىء فقد ظهر ما كان خافيا عليه لم يجز على الله تعالى لأنه تعالى لا