اعلم أن التنوين يقع في كلام العرب على خمسة أضرب:
أحدها:
أن يكون فرقا بين ما ينصرف وما لا ينصرف، وذلك نحو عثمانَ معرفة وعثمانٍ نكرة، وأحمدَ معرفة وأحمدٍ نكرة؛ ألا ترى أنك إذا قلت لقيت أحمدًا فإنما كلفت المخاطب أن يرمي بفكره إلى واحدٍ ممن اسمُهُ أحمد، ولم تكلفه علم شخص معين، وإذا قلت: لقيت أحمدَ فإنما تريد أن تعرفه أنك لقيت الرجل الذي اسمه أحمد، وبينك وبينه عهد متقدم فيه، فالتنوين هو الذي فرق بين هذين المعنيين.
والثاني:
أن يكون التنوين دليلا على التنكير، ولا يوجد هذا القسم في معرفة البتة، ولا يكون إلا تابعًا لحركات الإعراب، وذلك نحو قولك: إيهٍ، وغاقٍ، وصهٍ، ومهٍ، وإيهًا1، وواهًا2، وحيهلا3، فإذا نونت فكأنك قلت في إيهٍ: استزادة، وإذا قلت إيهِ فكأنك قلت: الاستزادة، فصار التنوين علم التنكير وتركه علم التعريف، قال ذو الرمة4:
وقفنا فقلنا إيهِ أمّ سالمٍ
... وما بال تكليم الديار البلاقع5
فكأنه قال الاستزادة.
وأما من أنكر6 هذا البيت على ذي الرمة فإنما خفي عليه هذا الموضع. وكذلك إذا قلت في حكاية صوت الغراب: غاقٍ غاقٍ، فكأنك قلت: بعدًا بعدًا فراقًا فراقًا، فإذا قلت: غاقِ، فكأنك قلت: البعدَ. وكذلك صَهٍ تقديره سكوتًا، وصَهْ تقديره السكوت. ومَهٍ معناه كفًّا، ومَهْ معناه الكف، إلا أن صَهْ ومَهْ فى المعرفة ساكنا