فالجواب عن ذلك ما ذهب إليه الخليل وسيبويه1، وذلك أنهما ذهبا إلى أن هذا لما كان جمعًا، والجمع أثقل من الواحد، وهو أيضًا الجمع الأكبر الذي تتناهى إليه الجموع، وذلك أنك تقول: كلب وأكلب، ثم تجمع الجمع، فتقول أكالب، ونحوه عبد وأعبد وأعابد، قال أبو داود2:
لَهَقٌ كَنارِ الرَّأسِ بالعلياء
... تُذكيها الأعابِدْ3
ويقولون: سِقاء4 وأسْقِية وأساقٍ، وشِفاء5 وأشْفِية وأشافٍ، فزاده ما ذكرناه ثقلا، ووقعت مع ذلك في آخره الياء، وهي مُستثقَلةٌ، فلما اجتمعت فيه هذه الأشياء خففوه بحذف يائه، فلما حذفت الياء نقص عن مثال مفاعل، وصار "جوار وغواش" بوزن جناح، فدخله التنوين لنقصانه عن مثال مفاعل، فقلت: جوارٍ وغواشٍ ومجارٍ.
يدلك على أنه لما نقص في حال الرفع والجر عن مثال مفاعل لحقه التنوين لنقصانه أنك إذا صرت إلى حال النصب، فجرى مجرى الصحيح كما من عادة المنقوص إذا نصب فأتممته، فقلت: رأيت جواري وغواشي وعوالي، ونحو ذلك.
وذهب أبو إسحاق إلى أن التنوين في "جوارٍ" ونحوه إنما هو بدل من الحركة الملقاة لثقلها عن الياء، فلما جاء التوين حذفت الياء لالتقاء الساكنين هي والتنوين، كما حذفت من المنصرف في نحو: قاضٍ وغازٍ ومشترٍ ومتعالٍ.
وهذا الذي ذهب إليه أبو إسحاق غير مرضٍ من القول، ولا سائغ في القياس، وقد ترك قول سيبويه والخليل6، وخالفهما إلى خلاف الصواب، وذلك أن الياء في باب "جوارٍ" ونحوه في الرفع والجر قد عاقبت الحركة، فلم تجتمع معها، فلما ناوبتها