الكفر مجرى الأجزاء من الكل؛ فلا تبلغ مبلغها في العقوبة. كيف: وإنما شرع القتل لمصلحة؛ والمصلحة: في الحاجة إلى القتل؛ والحاجة إليه: إذا لم يحصل الغرض بمساودته؛ ومقصود الزجر حاصل بالتعزيرات المشروعة: إذا أحسن الولاة في وضعها مواضعها؛ وذلك: بنصب المراقبين في الخفية على المبتدع، بعد زجره بجلدات النكال، وصب سياط التعزير عليه. فإن عاود دعوته وبدعته: عاود الإمام عقوبته؛ ولا يزال يفعل كذلك: فتزيد مجموع الضربات - الواقعة في كرات - على مبالغ الحدود؛ وذلك لا منع منه، فإن عسر عليه ذلك: فالحبس نوع من التعزيز - فيه متسع ولا منتهى له؛ وفيه الكف عن كل فساد وعادية في المستقبل - إلى أن تتبين مخايل الرشد.
ففي موضوعات الشرع - فيما تعرضت له النصوص - غنية ومندوحة عن كل وجه مخترع بالمصالح؛ وإنما يظن الحاجة إلى غير المشروع من لم يطلع على وجوه لطف الشرع ومحاسنه، فالتعزير مشروع والحبس إلى غير منتهى في التعزير مشروع، وفي الحبس الدائم، ومعاودة التعزيرات حالا بعد حال - ما يتضمن الزجر عن كل خبال وضلال.