سورة الذاريات (51) : آية 21وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21)
إِشَارَةً إِلَى دَلِيلِ الْأَنْفُسِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ فُصِّلَتْ: 53 وَإِنَّمَا اخْتَارَ مِنْ دَلَائِلَ الْآفَاقِ مَا فِي الْأَرْضِ لِظُهُورِهَا لِمَنْ عَلَى ظُهُورِهَا فَإِنَّ فِي أَطْرَافِهَا وَأَكْنَافِهَا مَا لَا يُمْكِنُ عَدُّ أَصْنَافِهَا فَدَلِيلُ الْأَنْفُسِ فِي قَوْلِهِ وَفِي أَنْفُسِكُمْ عَامٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا أَتَى بِصِيغَةِ الْخِطَابِ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ لِكَوْنِ عِلْمِ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي نَفْسِهِ أَتَمَّ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَفِيكُمْ، يُقَالُ الْحِجَارَةُ فِي نَفْسِهَا صُلْبَةٌ وَلَا يُرَادُ بِهَا النَّفْسُ الَّتِي هِيَ مَنْبَعُ الْحَيَاةِ وَالْحِسِّ وَالْحَرَكَاتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَفِي نُفُوسِكُمُ الَّتِي بِهَا حَيَاتُكُمْ آيَاتٌ وَقَوْلُهُ أَفَلا تُبْصِرُونَ بِالِاسْتِفْهَامِ إِشَارَةٌ إِلَى ظُهُورِهَا.
سورة الذاريات (51) : آية 22وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ فِيهِ وُجُوهٌ: أحدها: في السحاب المطر ثانيها: فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ مَكْتُوبٌ ثَالِثُهَا: تَقْدِيرُ الْأَرْزَاقِ كُلِّهَا مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلَاهُ لَمَا حَصَلَ فِي الْأَرْضِ حَبَّةُ قُوتٍ، وَفِي الْآيَاتِ الثَّلَاثِ تَرْتِيبٌ حَسَنٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أُمُورٌ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا لَا بُدَّ مِنْ سَبْقِهَا حَتَّى يُوجَدَ هُوَ فِي نَفْسِهِ وَأُمُورٌ تُقَارِنُهُ فِي الْوُجُودِ وَأُمُورٌ تَلْحَقُهُ وَتُوجَدُ بَعْدَهُ لِيَبْقَى بِهَا، فَالْأَرْضُ هِيَ الْمَكَانُ وَإِلَيْهِ يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ وَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِهَا فَقَالَ: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ ثُمَّ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ أُمُورٌ مِنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ فَقَالَ: وَفِي أَنْفُسِكُمْ ثُمَّ بَقَاؤُهُ بِالرِّزْقِ فَقَالَ: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَلَوْلَا السَّمَاءُ لَمَا كَانَ لِلنَّاسِ الْبَقَاءُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَما تُوعَدُونَ فِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: الْجَنَّةُ الْمَوْعُودُ بِهَا لِأَنَّهَا فِي السَّمَاءِ ثَانِيهَا: هُوَ مِنَ الْإِيعَادِ لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِلْمَفْعُولِ مِنْ أَوْعَدَ يُوعِدُ أَيْ وَمَا تُوعَدُونَ إِمَّا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ الذاريات: 13 وقوله إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ الذاريات: 15 فَيَكُونُ إِيعَادًا عَامًّا، وَإِمَّا مِنَ الْعَذَابِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْخِطَابُ مَعَ الْكُفَّارِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ كَافِيَةٌ، وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ فَفِي أَنْفُسِكُمْ آيَاتٌ هِيَ أَظْهَرُ الْآيَاتِ وَتَكْفُرُونَ بِهَا لِحُطَامِ الدُّنْيَا وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ، وَفِي السَّمَاءِ الْأَرْزَاقُ، فَلَوْ نَظَرْتُمْ وَتَأَمَّلْتُمْ حَقَّ التَّأَمُّلِ، لَمَا تَرَكْتُمُ الْحَقَّ لِأَجْلِ الرِّزْقِ، فَإِنَّهُ وَاصِلٌ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَلَاجْتَنَبْتُمُ الْبَاطِلَ اتِّقَاءً لِمَا تُوعِدُونَ مِنَ الْعَذَابِ النَّازِلِ. ثُمَّ قَالَ تعالى:
سورة الذاريات (51) : آية 23فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)
وفي المقسم عليه وجوه أحدها: ما تُوعَدُونَ أَيْ مَا تُوعَدُونَ لَحَقٌّ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تعالى: إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ الذاريات: 5 وعلى هذا يعود كل ما قلناه من وجوه ما تُوعَدُونَ إِنْ قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْجَنَّةُ فَالْمُقْسَمُ عَلَيْهِ هُوَ هِيَ ثَانِيهَا: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْقُرْآنِ أَيْ أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ وَفِيمَا ذكرناه في قوله تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ الذاريات: 9 دَلِيلُ هَذِهِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ مَعْنَاهُ تَكَلَّمَ بِهِ الْمَلَكُ النَّازِلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِهِ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ وَسَنَذْكُرُهُ ثَالِثُهَا: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الدِّينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ الذاريات: 6 رَابِعُهَا: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ فِي قوله أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ الذاريات: 12 يدل عليه