الفصل الثالث
*بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم -
بدء الوحى:
ظل «محمد» - صلى الله عليه وسلم - يتردد على غار «حراء» حتى
شارف الأربعين من عمره، وكان أول ما بدئ به من الوحى الرؤيا
الصادقة، كما جاء فى حديث «عائشة»، فكان لا يرى رؤيا فى نومه
إلا جاءت كفلق الصبح، وزادته رؤاه الصادقة أملا فى قرب الوصول
إلى الحقيقة.
وبينما هو فى غار «حراء» غارق فى تأمله وتدبره؛ إذ جاءه
«جبريل» - عليه السلام - فى ليلة من ليالى رمضان، فقال: «اقرأ»،
قال: «ما أنا بقارئ»، قال: «فأخذنى فغطنى، حتى بلغ منى
الجهد، ثم أرسلنى، فقال: «اقرأ»، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذنى
فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال: اقرأ،
فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذنى فغطنى الثالثة، ثم أرسلنى فقال
(اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم)
(سورة العلق: ١ - ٣) فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده، فدخل على
«خديجة بنت خويلد» -رضى الله عنها - فقال: «زملونى زملونى»
فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد
خشيت على نفسى»، فقالت «خديجة»: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا،
إنك لتصلُ الرحم، وتحمل الكل، وتَكسِبُ المعدوم، وتَقرِى الضيف،
وتعين على نوائب الحق». صحيح البخارى، كتاب بدء الوحى.
طمأنت «خديجة» «محمدًا» بتلك الكلمات الصادقة والعبارات المواسية،
وذهبت به إلى ابن عمها «ورقة بن نوفل» أحد الحنفاء العرب، وكان
قد اعتنق النصرانية، فقالت له: «يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك،
فقال له «ورقة»: يا ابن أخى ماذا رأيت، فأخبره رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - خبر ما رأى، فقال له «ورقة»: هذا الناموس (جبريل
أمين الوحى) الذى نزله الله على «موسى»، ياليتنى فيها جَذَعًا،
ليتنى أكون حيا، إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: «أو مخرجى هم؟» قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئتَ به
إلا عُودى، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم يلبث