هدأت «قريش»، وتعبت من البحث دون جدوى، بعد أن كانت قد
رصدت جائزة كبرى قدرها مائة من الإبل لمن يأتيها بمحمد حيا أو
ميتًا، لكن الله - سبحانه- عصمه من ذلك أيضًا،
ثم استأنف الرسول رحلته المباركة فى غرة ربيع الأول، وأخذ
دليلهما طريقًا غير طريق القوافل المعروف، لئلا يستدل عليهم أحد.
وكانت الرحلة شاقة واكتنفها كثير من المخاطر، من ذلك أن «سُراقة
بن مالك الجشمى» علم أن النبى - صلى الله عليه وسلم - و «أبا بكر»
سلكا ذلك الطريق، فأراد اللحاق بهما، والقبض عليهما ليفوز
بالجائزة، فلما اقترب منهما غاصت أقدام حصانه فى الرمال، وعجز
عن النهوض، فدهش «سراقة»، فلم يعهد من حصانه هذا من قبل،
وحاول أكثر من مرة اللحاق بهما، ولكن تكرر فشله، والنبى - صلى
الله عليه وسلم - ينظر إليه فى إشفاق، و «سراقة» يظن أن النبى
منتقم منه لامحالة، فتوسل إليه أن يعفو عنه، وعاهده على ألا يدل
عليه أحدًا، فعفا عنه النبى - صلى الله عليه وسلم -.
وكان أهل «يثرب» منذ أن علموا بقرب مقدم النبى - صلى الله عليه
وسلم - إليهم ينتظرونه بحب وشوق ولهفة إلى رؤيته، وكانوا كل يوم
يخرجون إلى مشارف المدينة، يلتمسون وصوله، فما إن وقعت عليه
عيونهم حتى كادوا يطيرون من الفرح، وهتفوا مرحبين منشدين:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا مادعا لله داع أيها
المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحبًا ياخير داع.
وكان وصوله - صلى الله عليه وسلم - إلى «يثرب»، التى أصبحت
عندئذٍ تسمى «مدينة الرسول»، أو «المدينة المنورة» يوم الجمعة
الموافق الثانى عشر من شهر ربيع الأول؛ لأنه قضى أربعة أيام فى
«قُبَاء» (٣) قبل دخوله «يثرب»، فقد وصلها يوم الاثنين الثامن من
شهر ربيع الأول، وبقى فيها إلى يوم الجمعة، حيث صلَّى الجمعة فى
«المدينة»، وصلى خلفه المهاجرون والأنصار فى مشهد عظيم.
وحادث الهجرة هو أعظم حدث فى التاريخ الإسلامى، لذلك اتخذه