فالذين علموا بأمر الهجرة كان عددهم محدودًا وكانوا موضع ثقة،
منهم: «عامر بن فهيرة» مولى «أبى بكر» وراعى غنمه، و «عبد الله
بن أبى بكر»، وأخته «أسماء»، وكل واحد من هؤلاء له عمل محدد
وفى غاية الأهمية والخطورة، فعبد الله بن أبى بكر كانت مهمته أن
يتسمع أخبار «قريش» بالنهار فى أنديتها، ثم يبلغها الرسول - صلى
الله عليه وسلم - إذا جاء الليل، وكانت مهمة «أسماء» إعداد الطعام،
ولما لم تجد مرة حبلا تربط به حقيبة الزاد، شقت نطاقها الذى كانت
تشد به وسطها، وربطت بأحد الشقين الحقيبة فلقبت بذات النطاقين.
أما «عامر بن فُهيرة» فكانت مهمته أن يرعى الأغنام بالقرب من
الغار، فإذا ما حلَّ الظلام ذهب إلى الغار؛ ليزود النبى - صلى الله عليه
وسلم - و «أبابكر» باللبن، ويسير بأغنامه على آثار أقدام «عبد الله
بن أبى بكر» حتى يمحوها، فلا يفطن أحد إلى مكانهم.
جن جنون «قريش» حين علمت أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أفلت
من قبضتها، وأن النائم فى الفراش لم يكن سوى «على بن أبى
طالب»، فأخذت تبحث عن «محمد» فى كل مكان، وبعد أن أعياهم
البحث فى طريق «يثرب»؛ عادوا إلى الجنوب، ووصلت طلائع بحثهم
إلى باب الغار، ففزع «أبوبكر»، حتى إنه بكى من شدة خوفه على
حياة النبى - صلى الله عليه وسلم -، فسأله: «ما يبكيك يا أبا بكر؟»
فقال: يارسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال له الرسول
- صلى الله عليه وسلم - مطمئنًا: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله
ثالثهما!».
وقد سجل القرآن الكريم هذا المشهد، فقال تعالى: {إلا تنصروه فقد
نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ
يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده
بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى
العليا والله عزيز حكيم}. التوبة: ٤٠.
استئناف الرحلة:
ظل النبى - صلى الله عليه وسلم -، وصاحبه فى الغار ثلاثة أيام، حتى