وعلى هذه الأسس الثلاثة السابقة قامت الدول الإسلامية فى
«المدينة»، وكان فى قيامها فتح جديد فى الحياة السياسية؛ إذ
قررت حرية الاعتقاد والرأى، وحرمة «المدينة»، وحرمة الحياة،
وحرمة المال، وحددت أعداء الدولة فى صراحة ووضوح، فمنعت
إجارة «قريش» ومن نصرها.
حكومة الرسول:
كان النبى - صلى الله عليه وسلم - أول رئيس للدولة الإسلامية، كما
نصت على ذلك المعاهدة، وقد قام النبى - صلى الله عليه وسلم - بهذه
المهمة طوال حياته، فهو الذى يقضى فى الحقوق المدنية والجنائية
كافة، وينفذ القضاء، ويقيم الحدود، ويجبى الأموال من مواضعها
الشرعية، ويوزعها فى مصارفها الشرعية، ويعلن الحرب، ويعقد
معاهدات الصلح، ويخاطب رؤساء الدول، ويستقبل سفراءهم، ويولى
الولاة على الأماكن البعيدة عن «المدينة».
وهو فى ذلك كله مؤيد من الله - تعالى - فإذا نزلت الحادثة بالأمة،
ولم يكن نزل فى شأنها وحى من الله، اجتهد النبى رأيه وشاور
أصحابه من أهل العلم والرأى، وكانوا تارة يجمعون على رأى
فيعمل به، وتارة يختلفون فيعمل برأى بعضهم، ويترك رأى البعض
الآخر، مجتهدًا فى ترجيح رأى على رأى.
ولما كانت أعباء الدولة كثيرة، وفى الوقت نفسه يقوم بمهمة تبليغ
الرسالة، وهى مهمة ثقيلة، فقد احتاج إلى معاونة أصحابه فى إدارة
الدولة، ومنهم تشكَّلت حكومته واختص بعضهم بملازمته، مثل «أبى
بكر الصديق»، و «عمر بن الخطاب»،فأطلق عليهم «وزراء الرسول»،
وكان له «صاحب سر»، أشبه ما يكون بالسكرتير الخاص، إن صح
هذا التعبير، هو «حذيفة بن اليمان»، و «صاحب شرطة» هو «قيس بن
سعد بن عبادة».
وكان له عدد من الحرَّاس، منهم: «سعدُ بن زيد الأنصارى»، و «الزبير
بن العوام».
وكان له عدد من الحجَّاب الذين يستأذنون للناس فى الدخول عليه،
منهم: «أنس بن مالك».
وكان له خاتم لختم الرسائل والمعاهدات، يحمله اثنان هما: «حنظلة بن
الربيع بن صيفى»، و «الحارث بن عوف المرِّى».