تُوَلُّواْ}؛ أَيْ: تتوَلَّوْا؛ أَيْ: تتوَجَّهُوا وَتَسْتَقْبِلوا، يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، بِمَعْنَى يَتَوَلَّاهَا.
وَأَمَّا لَفْظُ "وجهة" مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} البقرة: ١٤٨؛ فَقَد يُظَنُّ أَيْضًا أَنَّهُ مَصْدَرٌ كَالْوَجْهِ؛ كالوعدة مَعَ الْوَعْدِ، وَأَنَّهَا تُرِكَتْ صَحِيحَةً فَلَمْ تُحْذَفْ فَاؤُهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
لِأَنَّهُ لَو كَانَ مَصْدَرًا لَخذِفَتْ وَاوُة وَهُوَ الْجِهَةُ، وَكَانَ يُقَالُ: وَلِكُلٍّ جِهَةٌ أَو وَجْةٌ، وَإِنَّمَا الْفِعْلَةُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ؛ كَالْقِبْلَةِ، وَالْبِدْعَةِ، وَالذِّبْحَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالْقِبْلَةُ: مَا اُسْتُقْبِلَ، والوجهة: مَا تُوُجِّهَ إلَيْهِ، وَالْبِدْعَةُ: مَا اُبْتُدِع، وَالذِّبْحَةُ: مَا ذُبِحَ؛ وَلهَذَا صَحَّ وَلَمْ تُحْذَفْ فَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْحَذْفَ إنَّمَا هُوَ مِن الْمَصْدَرِ، لَا مِن بَقِيَّةِ الْأَسْمَاءِ كَالصِّفَاتِ وَمَا يُشْبِهُهَا، مِثْلُ أَسْمَاءِ الْأمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْآلَاتِ وَالْمَفَاعِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْوَجْهَ مُشْتَقٌّ مِن الْمُوَاجَهَةِ (١): فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
وَمِن هَذَا الْبَابِ:
أ- قَوْله تَعَالَى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} البقرة: ١١٢.
ب- وَقَوْلُ الْخَلِيلِ وَنَبِيِّنَا وَالْمُومِنِينَ فِي الصَّلَاةِ: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)} الأنعام: ٧٩.
ج- وقَوْله تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الروم: ٣٠.
= من آيات الصفات فلا يكون ذلك حُجةً لهم.
(١) قال أبو يعلى الفراء: الوجه ما يقع به المواجهة. المسائل الفقهية (١/ ٦). ونص على ذلك صاحب المغني (١/ ١٣٠)، والزركشي في شرحه لمختصر الخرقي (١/ ٣٨)، وغيرهم.