فَإِنْ قِيلَ: مَا مَنْشَأُ هَذَا النِّزَاعِ وَالِاشْتِبَاهِ وَالتَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ؟
قِيلَ: مُنْشَؤه هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَف وَعَابُوهُ. ١٢/ ١٣٨ - ١٤٠
١٣٣٠ - كَانَ الْإِمَامُ أحْمَد بْن حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِن أَئِمَّةِ السنَّةِ يَقُولُونَ: مَن قَالَ اللَّفْظُ بِالْقُرْآنِ أَو لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ جهمي، وَمَن قَالَ: إنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، وَفي بَعْضِ الرّوَايَاتِ عَنْهُ: مَن قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق، يَعْنِي بِهِ الْقُرْآنَ فَهُوَ جهمي.
لِأَنَّ اللفْظَ يُرَادُ بِهِ مَصْدَرُ لَفَظَ يَلْفِظُ لَفْظًا، وَمُسَمَّى هَذَا فِعْلُ الْعَبْدِ، وَفِعْلُ الْعَبْدِ مَخْلُوق.
ويُرَاد بِاللَّفْظِ الْقَوْلُ الَّذِي يَلْفِظُ بِهِ اللَّافِظُ، وَذَلِكَ كَلَامُ اللهِ لَا كَلَامُ الْقَارِئِ.
فَمَن قَالَ: إنَّهُ مَخْلُوق، فَقَد قَالَ إنَّ اللّهَ لَمْ يَتَكَلمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، وإنَّ هَذَا الَّذِي يَقْرَؤهُ الْمُسْلِمونَ لَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللهِ، وَمَعْلُوم أنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِن دِينِ الرَّسُولِ.
وَأمَّا صَوْتُ الْعَبْدِ فَهُوَ مَخْلُوق وَقَد صَرَّحَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ بِأنَّ الصَّوْتَ الْمَسْمُوعَ صَوْتُ الْعَبْدِ، وَلَمْ يَقلْ أحْمَد قَطُّ: مَن قَالَ: إنَّ صَوْتِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جهمي، وَإِنَّمَا قَالَ: مَن قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ لَفْظِ الْكلَامِ وَصَوْتِ الْمُبَلغِ لَهُ فَرْقٌ وَاضِح، فَكلُّ مَن بَلَّغَ كَلَامَ غَيْرِهِ بِلَفْظِ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَإِنَّمَا بَلَّغَ لَفْظَ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَا لَفْظَ نَفْسِهِ، وَهُوَ إنَّمَا بَلَّغَهُ بِصَوْتِ نَفْسِهِ لَا بِصَوْتِ ذَلِكَ الْغَيْرِ.
وَنَفْسُ اللَّفْظِ وَالتِّلَاوَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ يُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ الَّذِي هُوَ حَرَكَاتُ الْعِبَادِ، وَمَا يَحْدُثُ عَنْهَا مِن أَصْوَاتِهِمْ وَشَكلِ الْمِدَادِ، ويرَادُ بِهِ نَفْسُ الْكَلَامِ الَّذِي يَقْرَؤُهُ التَّالِي ويتْلُوهُ ويلْفِظُ بِهِ وَيَكْتُبُهُ: مَنَعَ أَحْمَد وَغَيْرهُ مِن إطْلَاقِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ الَّذِي يَقْتَضِي جَعْلَ صِفَاتِ اللهِ مَخْلُوقَةً، أَو جَعْلَ صِفَاتِ الْعِبَادِ وَمِدَادَهُم غَيْرَ مَخْلُوقٍ. ١٢/ ٧٤
* * *