(الْقُرْآن مَنقُول بِالتَّوَاتُرِ مَحْفُوظ فِي الصُّدُورِ)
١٣٣١ - الصَّحَابَةُ لَمَّا كَتَبُوا الْمَصَاحِفَ كَتَبُوهَا غَيْرَ مَشْكُولَةٍ وَلَا مَنْقُوطَةٍ؛ لِأَنَّهُم إنَّمَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى حِفْظِهِ فِي صُدُورِهِمْ لَا عَلَى الْمَصَاحِفِ، وَهُوَ مَنْقُول بِالتَّوَاتُرِ مَحْفُوظ فِي الصدُورِ، لَو عُدِمَتْ الْمَصَاحِفُ لَمْ يَكُن لِلْمُسْلِمِينَ بِهَا حَاجَة، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَيْسُوا كَأهْلِ الْكِتَاب الَّذِينَ يَعْتَمِدُونَ عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي تَقْبَلُ التَّغَيُّرَ، وَاللهُ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ فَتَلَقًّاهُ تَلَقيَا، وَحَفِظَهُ فِي قَلْبِهِ، لَمْ يُنَزِّلْهُ مَكْتُوبًا كَالتَّوْرَاةِ، وَأنْزَلَة مُنَجَّمًا مُفَرَّقًا لِيُحْفَظَ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى كِتَاب.
ثُمَّ إنَّهُ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ لَمَّا حَدَثَ اللَّحْنُ صَارَ بَعْض التَّابِعِينَ يُشَكِّلُ الْمَصَاحِفَ وَيُنَقطُهَا، وَكَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ بِالْحُمْرَةِ، ويعْمَلُونَ الْفَتْحَ بِنُقْطَةٍ حَمْرَاءَ فَوْقَ الْحَرْفِ، وَالْكَسْرَةَ بِنُقْطَةٍ حَمْرَاءَ تَحْتَهُ، وَالضَّمَّةَ بِنُقْطَةٍ حَمْرَاءَ أمَامَهُ.
ثُمَّ مَدُّوا النُّقْطَةَ، وَصَارُوا يَعْمَلُونَ الشَّدَّة بِقَوْلِك: "شَدَّ"، ويعْمَلُونَ الْمَدَّةَ بِقَوْلِك: "مَدَّ"، وَجَعَلُوا عَلَامَةَ الْهَمْزَةِ تُشْبِهُ الْعَيْنَ؛ لِأنَّ الْهَمْزَةَ أخْتُ الْعَيْنِ، ثُمَّ خَفَّفُوا ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ عَلَامَةُ الشَّدةِ مِثْل رَأسِ السِّينِ، وَعَلَامَةُ الْمَدَّةِ مُخْتَصَرَةً كَمَا يَخْتَصِرُ أَهْلُ الدِّيوَانِ ألْفَاظَ الْعَدَدِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَمَا يَخْتَصِرُ الْمُحَدِّثُونَ أَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا فَيَكْتبونَ أَوَّلَ اللَّفْظِ وَآخِرَهُ عَلَى شَكْل "أَنَا" وعَلَى شَكْلِ "ثنا". ١٢/ ١٠٠ - ١٠٢
* * *
(النُّزول في كِتَابِ الله -عَزّ وجَلّ- على أَنْوَاع)
١٣٣٢ - النُّزُولُ فِي كِتَابِ اللهِ -عَزّ وجَلّ- ثلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نُزُولٌ مُقَيد بِأنَّهُ مِنْهُ، وَنُزُول مُقَيَّد بِأنَّهُ مِن السَّمَاءِ، وَنُزُولٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ لَا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا.
فَالْأوّلُ: لَمْ يَرِدْ إلَّا فِي الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} الأنعام: ١١٤.