لَكِنْ لَا نِزَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَجْهَرْ بِالِاسْتِفْتَاحِ وَلَا بِالِاسْتِعَاذَةِ.
وَالْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ أقْوَى مِن الْجَهْرِ بِالِاسْتِعَاذَةِ؛ لِأَنَّهَا آية مِن كِتَابِ اللهِ تَعَالَى (١).
وَلَيْسَ فِي "الصِّحَاحِ" وَلَا "السُّنَن" حَدِيث صَحِيح صَرِيح بِالْجَهْرِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّرِيحَةُ بِالْجَهْرِ كُلُّهَا ضَعِيفَة بَل مَوْضُوعَةٌ.
وَقَد تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَل هِيَ آيةٌ أَو بَعْضُ آيَةٍ مِن كُلِّ سُورَةٍ (٢)، أَو لَيْسَتْ مِن الْقُرْآنِ إلَّا فِي سُورَةِ النَّمْلِ (٣)، أَو هِيَ آية مِن كِتَابِ اللهِ حَيْثُ كُتِبَتْ فِي الْمَصَاحِفِ وَلَيْسَتْ مِن السُّورِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: هُوَ أَوْسَطُ الْأَقْوَالِ، وَبِهِ تَجْتَمِعُ الْأَدِلَّةُ؛ فَإِنَّ كِتَابَةَ الصَّحَابَةِ لَهَا فِي الْمَصَاحِفِ دَلِيل عَلَى أَنَّهَا مِن كِتَابِ اللهِ، وَكَوْنُهُم فَصَلُوهَا عَن السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا دَلِيل عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا.
وَثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - "الصَّحِيحِ" (٤) أَنَّهُ قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يونس: ١٠، قَالَ اللهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي" .. فَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيح صَرِيح فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِن الْفَاتِحَةِ.
لَكِنْ مَن قَرَأَ بِهَا كَانَ قَد أَتَى بِالْأَفْضَلِ، وَكَذَلِكَ مَن كَرَّرَ قِرَاءَتَهَا فِي أَوَّلِ كُل
(١) قال الشيخ في جواب مَن سَأله عَن رَجُلٍ يَؤُمُّ النَاسَ وَبَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يَجْهَرُ بِالتَّعَوذِ ثُم يُسَمي ويقْرَأ: إذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا لِلتَّعْلِيمِ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأسَ بِذَلِكَ؛ كَمَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب يَجْهَرُ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاح مُدَّةً، وَكَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأبُو هُرَيْرَةَ يَجْهَرَانِ بِالِاسْتِعَاذَةِ أَحْيَانًا، وَأَما الْمدَاوَمَةُ عَلَى الْجَهْرِ بِذلِكَ فَبِدْعَة. (٢٢/ ٤٠٥).
(٢) كما هو رأي الإمام الشافعي، ويرى الجهر بها.
(٣) كما هو رأي الإمام مالك، ولا يرى الجهر بها.
(٤) مسلم (٣٩٥).