سُورَةٍ كَانَ أَحْسَنَ مِمَن تَرَكَ قِرَاءَتَهَا؛ لِأنَّهُ قَرَأَ مَا كَتَبَتْهُ الصَّحَابَةُ فِي الْمَصَاحِفِ، فَلَو قُدرَ أنَّهُم كَتَبُوهَا عَلَى وَجْهِ التبرُّكِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْرأ عَلَى وَجْهِ التَّبّرُّكِ.
وإلا فَكَيْفَ يَكْتُبُونَ فِي الْمُصْحَفِ مَا لَا يُشْرَعُ قِرَاءَتُهُ؟ وَهُم قَد جَرَّدُوا الْمُصْحَفَ عَمَّا لَيْسَ مِن الْقُرْآنِ، حَتَّى أَنَّهُم لَمْ يَكْتموا التَّأمِينَ وَلَا أَسْمَاءَ السُّورِ، وَلَا التَّخْمِيسَ وَالتعْشِيرَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ السنَّةَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُولَ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ: آمِينَ، فَكَيْفَ يَكْتُبُونَ مَا لَا يُشْرَعُ أَنْ يَقُولَهُ وَهُم لَمْ يَكْتُبُوا مَا يُشْرَعُ أَنْ يَقُولَهُ الْمُصَلِّي مِن غَيْرِ الْقُرْآنِ؟
فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ دَلَّتْ عَلَى أنَّهَا مِن كِتَابِ اللهِ وَلَيْسَتْ مِن السُّورَةِ. ٢٢/ ٢٧٤ - ٢٧٨، ٤٠٦
١٣٤٢ - قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فِي الْبَسْمَلَةِ أَنَّهَا آيةٌ مِن الْقُرْآنِ مُفْرَدَة، وَلَيْسَتْ مِن السُّورَةِ، وَأَّنهُ يُقْرَأ بِهَا في الصَّلَاةِ سرًّا، فَلَا تُخْرَجُ مِن الْقُرْآنِ وَتُهْجَرُ، وَلَا تُشَبَّهْ بِالْقُرْآنِ الْمَقْصُودِ فَتُجْهَر، وَهِيَ تُشْبِهُ الِاسْتِعَاذَةَ مِن بَعْضِ الْوُجُوهِ لَكِنَّ الِاسْتِعَاذَةَ لَيْسَتْ بِقُرْآن، وَلَمْ تكتَبْ فِي الْمَصَاحِفِ، وإنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَهَذَا قُرْآن.
وَقَد كَانَ كَثِيرٌ مِن السَّلَفِ يَقُولُ: الْبَسْمَلَةُ آيَةٌ مِنْهَا ويقْرَؤُهَا، وَكَثِير مِن السَّلَفِ لَا يَجْعَلُهَا مِنْهَا، ويجْعَلُ الْآيَةَ السَّابِعَةَ: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} الفاتحة: ٧ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الصَّحِيحُ.
وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَق، فَهِيَ مِنْهَا مِن وَجْه، وَلَيْسَتْ مِنْهَا مِن وَجْه.
وَالْمَقْصودُ أَنْ يُبْتَدَأَ الْقُرْآنُ بِذِكْرِ اسْمِ اللهِ، فَهِيَ أنْزِلَتْ فِي أَولِ السُّورَةِ تَبَعًا، لَمْ تَنْزِلْ فِي أَوَاخِرِ السُّورِ، وَكُتِبَتْ فِي الْمَصَاحِفِ مُفْرَدَة، لَكِنْ تَبَعًا لِمَا بَعْدَهَا لَا لِمَا قَبْلَهَا.
فَمِن جِهَةِ كَوْنِهَا تَابِعَةً لِلسورَةِ تُجْعَلُ مِنْهَا، وَمِن جِهَةِ كَوْنِ الْمَقْصُودِ أَنْ يَقْرَأَ بِسْمِ اللهِ .. لَمْ تكُنْ آيَةً مِن السُّورَةِ.