وَقِيلَ: إلَى تَرْبِيَتِهِ النَّاسَ، وَقِيلَ: إلَى رُبَّانِ السَّفِينَةِ، وَهَذَا أَصَحُّ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَم الزِّيَادَةِ فِي النِّسْبَةِ لِأَنَّهُم مَنْسُوبُونَ إلَى التَّرْبِيَةِ، وَهَذِهِ تَخْتَصُّ بِهِمْ، وَأَمَّا نِسْبَتُهُم إلَى الرَّبِّ فَلَا اخْتِصَاصَ لَهُم بِذَلِكَ، بَل كُلُّ عَبْدٍ لَهُ فَهوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ إمَّا نِسْبَةَ عُمُومٍ أَو خُصُوصٍ.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَأَحَدُهُم رَبَّانِيٌّ وَهُم الْعُلَمَاءُ الْمُعَلّمُونَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسَبُ الْكَلِمَةَ عِبْرَانِيَّةً أَو سِرْيَانِيَّةً؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ زَعَمَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ الرَّبَّانِيِّينَ.
قُلْتُ: اللَّفْظَةُ عَرَبِيَّةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى رَبَّانِ السَّفِينَةِ الَّذِي يَنْزِلُهَا وَيقُومُ لِمَصْلَحَتِهَا، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ لَمْ يَكُن لَهُم رَبَّانِيُّونَ؛ لِأَنَّهُم لَمْ يَكُونُوا عَلَى شَرِيعَةٍ مُنَزَّلَةٍ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ (١). ١/ ٥٨ - ٦٣
١٤٥٥ - قَالَ تَعَالَى عَن الْمُؤمِنِينَ الَّذِينَ قُتِلَ نَبِيُّهُمْ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}؛ أَيْ: النَّبِيُّ (٢) قُتِلَ، هَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ. ١٤/ ٣٥٢
وَقَوْلُهُ: {مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير} جُمْلَة فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ صِفَةٌ لِلنَّبِيِّ -صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ- أَيْ: كَمْ مِن نَبِيٍّ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ قُتِلَ وَلَمْ يُقْتَلُوا مَعَهُ. فَإِنَّهُ كَانَ يَكونُ الْمَعْنَى: أَنَّهُ قُتِلَ وَهُم مَعَهُ.
(١) قال أبو جعفر الطبري؛ وأولى الأقوال عندي بالصواب في "الربانيين" أنهم جمع "رباني"، وأن "الرباني" المنسوب إلى "الرَّبَّان"، الذي يرب الناسَ، وهو الذي يُصْلح أمورهم، و"يربّها"، ويقوم بها ..
فالربانيون إذًا، هم عمادُ الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا. ولذلك قال مجاهد: "وهم فوق الأحبار"؛ لأن "الأحبارَ" هم العلماء، و"الرباني" الجامعُ إلى العلم والفقه: البصرَ بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دُنياهم ودينهم. تفسير الطبري (٦/ ٥٤٣).
علق على هذا الشيخ أحمد شاكر بقولِه: هذا التفسير قلَّ أن تجده في كتاب من كتب اللغة، وهو من أجود ما قرأت في معنى "الرباني"، وهو من أحسن التوجيه في فهم معاني العربية، والبصر بمعاني كتاب الله. فرحم الله أبا جعفر رحمة ترفعه درجات عند ربه. اهـ.
(٢) قال رحمه الله قِيلَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُرَادُ بِهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ فِي مَعْرَكَةٍ فَقَد قُتِلَ أَنْبِيَاءُ كَثيرُونَ. (١١/ ٦٩٤).