سورة الزخرف
١٥٦٧ - قَوْله تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦)} الزخرف: ٨٦. التَّحْقِيق فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، وَلَا يَمْلِكُ أَحَد مِن دُونِ اللهِ الشَّفَاعَةَ مُطْلَقًا، لَا يُسْتَثْنَى مِن ذَلِكَ أَحَدٌ عِنْدَ اللهِ.
فَإنَّهُ لَمْ يَقُلْ: وَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ، وَلَا قَالَ: لَا يَشْفَعُ لِأَحَدٍ؛ بَل قَالَ: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ}، وَكُلُّ مَن دُعِيَ مِن دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ أَلْبَتَّةَ، وَالشَّفَاعَةُ بِإِذْنٍ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِمَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ، وَسَيِّدُ الشُّفَعَاءِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يُعْبَدْ كَمَا عُبِدَ الْمَسِيحُ، وَهُوَ -مَعَ هَذَا- لَهُ شَفَاعَةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ، فَلَا يَحْسُنُ أَنْ تَثْبُتَ الشَّفَاعَةُ لِمَن دُعِيَ مِن دُونِ اللهِ دُونَ مَن لَمْ يُدْعَ.
وَالْمَقْصودُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ} قَد تَمَّ الْكَلَامُ هنَا، فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِن الْمَعْبُودِينَ مِن دُونِ اللهِ الشَّفَاعَةَ أَلْبَتَّةَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦)} فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَالْمُنْقَطِعُ يَكُونُ فِي الْمَعْنَى الْمُشْتَرِكِ بَيْنَ الْمَذْكُورِينَ.
فَلَمَّا نَفَى مُلْكَهُم الشَّفَاعَةَ بَقِيَت الشَّفَاعَةُ بِلَا مَالِكٍ لَهَا.
كَأنَّهُ قَد قِيلَ: فَإِذَا لَمْ يَمْلِكُوهَا هَل يَشْفَعُونَ فِي أَحَدٍ؟
فَقَالَ: نَعَمْ {مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦)}.
وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الشَّافِعَ وَالْمَشْفُوعَ لَهُ، فَلَا يَشْفَعُ إلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُم يَعْلَمُونَ.
فَالْمَلَائِكَةُ وَالْأنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ -وَإِن كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ- لَكِنْ إذَا أَذِنَ الرَّبُّ لَهُم شَفَعُوا، وَهُم لَا يُؤْذَنُ لَهُم إلَّا فِي الشَّفَاعَةِ لِلْمُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَشْهَدونَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، فَيَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ وَهُم يَعْلَمُونَ، لَا يَشْفَعُونَ لِمَن قَالَ