فَإِنَّ الْوَاجِبَ ضَمَانُ الْمُتْلَفِ بِالْمِثْل بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} النحل: ١٢٦.
فَالْأَمْرُ دَائِرٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ:
أ- إمَّا أَنْ يَضْمَنَهُ بِالْقِيمَةِ، وَهِيَ دَرَاهِمُ مُخَالِفَةٌ لِلْمُتْلَفِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، لَكِنَّهَا تسَاوِيهِ فِي الْمَالِيَّةِ.
ب- وإِمَّا أَنْ يَضْمَنَهُ بِثِيَابٍ مِن جِنْسِ ثِيَابِ الْمِثْلِ، أَو آنِيَةٍ مِن جِنْسِ آنِيَتِهِ، أَو حَيَوَانٍ مِن جِنْسِ حَيَوَانِهِ، مَعَ مُرَاعَاةِ الْقِيمَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَمَعَ كَوْنِ قِيمَتِهِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ، فَهُنَا الْمَالِيَّةُ مُسَاوَيةٌ كَمَا فِي النَّقْدِ، وَامْتَازَ هَذَا بِالْمُشَارَكَةِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَمْثَلَ مِن هَذَا، وَمَا كَانَ أَمْثَلَ فَهُوَ أَعْدَلُ، فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ إذَا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ مِن كُلِّ وَجْهٍ.
الْأَصْلُ الثَّالِثُ: مَن مَثَّلَ بِعَبْدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا، وَقَد جَاءَت بِذَلِكَ آثَارٌ مَرْفُوعَة عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ.
فَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِق لِهَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الثَّابِتَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْقِيَاسِ الْعَادِلِ. ٢٠/ ٥٦٢ - ٥٦٦
١٨٧٤ - اَلَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ أَنُّهُ حُجَّةٌ مَا كَانَ مِن سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّذِي سَنُّوهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ خَالَفَهُم فِيهِ، فَهَذَا لَا ريبَ أَنَّهُ حُجَّةٌ بَل إجْمَاعٌ.
وَقَد دَل عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِن بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِدِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" (١).
مِثَالُ ذَلِكَ: حَبْسُ عُمْرَ وَعُثْمَانَ -رضي الله عنهما- للأرضين الْمَفْتُوحَةِ وَتَرْكُ قِسْمَتِهَا عَلَى الْغَانِمِينَ.
(١) رواه ابن ماجه (٤٢).