فَإِنَّ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ حَقِيقَتُهُ (١) التَّسْوِيَة بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ الَّذِي أَنْزَلَ اللّهُ بِهِ الْكِتَابَ، وَأَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ.
وَالرَّسُولُ لَا يَأْمُرُ بِخِلَافِ الْعَدْلِ، وَلَا يَحْكُمُ فِي شَيْئَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَا يُحرِّمُ الشَّيْء ويُحِلُّ نَظِيرُهُ.
وَقَد تَأَمَّلْنَا عَامَّةَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي قِيلَ: إنَّ الْقِيَاسَ فِيهَا عَارَضَ النَّصَّ وَأَنَّ حُكْمَ النَّصَّ فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ: فَوَجَدْنَا مَا خَصَّهُ الشَّارعُ بِحُكْمٍ عَن نَظَائِرِهِ فَإِنَّمَا خَصَّهُ بِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِوَصْف أَوْجَبَ اخْتِصَاصَهُ بِالْحُكْمِ، كَمَا خَصَّ الْعَرَايَا بِجَوَازِ بَيْعِهَا بِمِثْلِهَا خَرْصًا لِتَعَذُّرِ الْكَيْلِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيْعِ، وَالْحَاجَةُ تُوجِبُ الِانْتِقَالَ إلَى الْبَدَلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ.
فَالْخَرْصُ عِنْدَ الْحَاجَةِ قَامَ مَقَامَ الْكَيْلِ، كَمَا يَقُومُ التُّرَابُ مَقَامَ الْمَاءِ، وَالْمَيْتَةُ مَقَامَ الْمُذَكَّى عِنْدَ الْحَاجَةِ.
وَلَعَلَّ مَن رَزَقَهُ اللهُ فَهْمًا وَآتَاهُ مِن لَدُنْه عِلْمًا: يَجِدُ عَامَّةَ الْأَحْكَامِ الَّتِي تُعْلَمُ بِقِيَاس شَرْعِيٍّ صَحِيحٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْخِطَابُ الشَّرْعِيُّ، كَمَا أَنَّ غَايَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْخِطَابُ الشَّرْعِيُّ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْعَدْلِ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبُ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ. ١٩/ ٣٢٣ - ٣٢٤
* * *
(الشرع لا يَمنعُ ما كان في العقل واجبًا، ولا يُبيح ما كان في العقل ممنوعًا إلا على شرط المنفعة)
١٨٨٦ - لا يجوز أن يرد السمع بحظر ما كان في العقل واجبًا؛ نحو شكر المنعم والعدل والإنصاف ونحوه، وكذلك لا يجوز أن يرد بإباحة ما كان في العقل محظورًا نحو الكذب والظلم وكفر نعمة المنعم ونحوه، وإنما يرد بإباحة
(١) في الأصل: (حَقِيقَةُ التَّسْوِيَةِ)، ولعل المثبت هو الصواب.