فَمَسْأَلَةُ الْمَفْقُودِ هِيَ مِمَّا يَقِفُ فِيهَا تَعْرِيفُ الْإِمَامِ عَلَى إذْنِ الزَّوْجِ إذَا جَاءَ، كَمَا يَقِفُ تَصَرُّفُ الْمُلْتَقِطِ عَلَى إذْنِ الْمَالِكِ إذَا جَاءَ، وَالْقَوْلُ بِرَدِّ الْمَهْرِ إلَيْهِ لِخُرُوجِ امْرَأَتِهِ مِن مِلْكِهِ (١)، وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِي الْمَهْرِ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ: هَل هُوَ مَا أَعْطَاهَا هُوَ، أَو مَا أَعْطَاهَا الثَّاني؟
الصَّوَابُ: أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِمَهْرِهِ هُوَ؛ فَإِنَّهُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ، وَأَمَّا الْمَهْرُ الَّذِي أَصْدَقَهَا الثَّانِي فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ.
وَإِذَا ضَمِنَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِيَ الْمَهْرَ فَهَل يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: يَرْجعُ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي أَخَذَتْهُ.
وَالثانِيَةُ؛ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ بِمَا اسْتَحَلَّ مِن فَرْجِهَا، وَالْأَوَّلُ يَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ لِخُرُوجِ الْبُضْعِ مِن مِلْكِهِ، فَكَانَ عَلَى الثَّانِي مَهْرَانِ.
وَهَذَا الْمَأْثُورُ عَن عُمَرَ فِي "مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ": هُوَ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِن أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ مِن أَبْعَدِ الْأَقْوَالِ عَنِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا أَصَحُّ الْأقْوَالِ وَأَجْرَاهَا عَلَى الْقِيَاسِ، وَكُلُّ قَوْلٍ قِيلَ سِوَاهُ فَهُوَ خَطَأٌ.
فَالصَّوَابُ: مَا قَضَى بِهِ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.
وَقَد تَأَمَّلْت مِن هَذَا الْبَابِ مَا شَاءَ اللهُ فَرَأَيْت الصَّحَابَةَ أَفْقَهَ الْأُمَّةِ وَأَعْلَمَهَا، وَاعْتبِرْ هَذَا بِمَسَائِلِ الْأَيْمَانِ بِالنَّذْرِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. وَمَا شَاءَ اللهُ مِنَ الْمَسَائِلِ لَمْ أَجِدْ أَجْوَدَ الْأَقْوَالِ فِيهَا إلا الْأَقْوَالَ الْمَنْقُولَةَ عَنِ الصَّحَابَةِ.
وَإِلَى سَاعَتِي هَذِهِ مَا عَلِمْت قَوْلًا قَالَهُ الصَّحَابَةُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ إلَّا وَكَانَ الْقِيَاسُ مَعَهُم، لَكِنَّ الْعِلْمَ بِصَحِيحِ الْقِيَاسِ وَفَاسِدِهِ مِن أَجَلِّ الْعُلُومِ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَن كَانَ خَبِيرًا بِأَسْرَارِ الشَّرْعِ وَمَقَاصِدِهِ، وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْمَحَاسِنِ الَّتِي تَفُوقُ التَّعْدَادَ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِن مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي
(١) هو الصواب.