وَصَرَّفَهُ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْمَخْلُوقُونَ كُلُّهُم عِبَادُ اللهِ مِن الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْكفَّارِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ؛ إذ هُوَ رَبُّهُم كُلُّهُم وَمَلِيكُهُم لَا يَخْرُجُونَ عَن مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَإِن لَمْ يَشَاؤُوا. ١٠/ ١٥٣ - ١٥٥
٢١٣٩ - الْعِبَادَةُ وَالطَّاعَةُ وَالِاسْتِقَامَةُ وَلُزُومُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِن الْأسْمَاءِ مَقْصُودُهَا وَاحِدٌ وَلَهَا أَصْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: ألَّا يُعْبَدَ إلَّا اللهُ.
وَالثَّانِيْ: أَنْ يُعْبَدَ بِمَا أَمَرَ وَشَرَعَ لَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِن الْبِدَع.
قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠)} الكهف: ١١٠.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ جَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ دَاخِلًا فِي اسْم الْعِبَادَةِ، فَلِمَاذَا عَطَفَ عَلَيْهَا غَيْرَهَا؛ كَقَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} الفاتحة: ٥ وَقَوْلِهِ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} هود: ١٢٣.
قِيلَ: هَذَا لَهُ نَظَائِرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} العنكبوت: ٤٥ وَالْفَحْشَاءُ مِن الْمُنْكَر.
وَكَذَلِكَ قَوْلُه: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} الأعراف: ١٧٠ وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ مِن أَعْظَمِ التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ.
وَهَذَا الْبَابُ يَكُونُ تَارَةً مَعَ كَوْنِ أَحَدِهِمَا بَعْضَ الْآخَرِ، فَيُعْطَفُ عَلَيْهِ تَخْصِيصًا لَهُ بِالذِّكْرِ؛ لِكَوْنِهِ مَطْلُوبًا بِالْمَعْنَى الْعَامِّ وَالْمَعْنَى الْخَاصِّ.
وَتَارَة تَكُونُ دِلَالَةُ الِاسْمِ تَتَنَوَّعُ بِحَالِ الِانْفِرَادِ وَالِاقْتِرَانِ، فَإِذَا أُفْرِدَ عَمَّ، وَإِذَا قُرِنَ بِغَيْرِهِ خَصَّ؛ كَاسْمِ "الْفَقِيرِ" و"الْمِسْكينِ" لَمَّا أُفْرِدَ أَحَدُهُمَا فِي مِثْل قَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} البقرة: ٢٧٣ وَقَوْلِهِ: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} المائدة: ٨٩ دَخَلَ فِيهِ الْآخَرُ.