وَلَمَّا قُرِنَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} التوبة: ٦٠ صَارَا نَوْعَيْنِ.
وَذِكْرُ الْخَاصِّ مَعَ الْعَامِّ يَكُونُ لِأَسْبَاب مُتَنَوِّعَةٍ:
تَارَةً: لِكَوْنِهِ لَهُ خَاصِّيَّةٌ لَيْسَتْ لِسَائِرِ أَفْرَادِ الْعَامِّ؛ كَمَا فِي نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى.
وَتَارَةً: لِكَوْنِ الْعَامِّ فِيهِ إطْلَاقٌ قَد لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْعُمُومُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} البقرة: ٢ - ٤، فَقَوْلُهُ: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}؛ يَتَنَاوَلُ الْغَيْبَ الَّذِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ؛ لَكِنْ فِيهِ إجْمَالٌ فَلَيْسَ فِيهِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مِن الْغَيْبِ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ.
وَمِن هَذَا الْبَابِ: قَوْله تَعَالَى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} العنكبوت: ٤٥ .. فَاتِّبَاعُ الْكِتَابِ يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا، لَكِنْ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِمَزِيَّتِهَا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} هود: ١٢٣ فَإِنَّ التَّوَكُّلَ وَالِاسْتِعَانَةَ هِيَ مِن عِبَادَةِ اللهِ؛ لَكِنْ خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِيَقْصِدَهَا الْمُتَعَبِّدُ بِخُصُوصِهَا؛ فَإِنَّهَا هِيَ الْعَوْنُ عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ، إذ هُوَ سُبْحَانَهُ لَا يُعْبَدُ إلَّا بِمَعُونَتِهِ. ١٠/ ١٧٢ - ١٧٦
٢١٤٠ - الْعَبْدُ لَا بُدَّ لَهُ مِن رِزْقٍ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ، فَإِذَا طَلَبَ رِزْقَهُ مِن اللهِ صَارَ عَبْدًا للهِ فَقِيرًا إلَيْهِ، وَإِن طَلَبَهُ مِن مَخْلُوقٍ صَارَ عَبْدًا لِذَلِكَ الْمَخْلُوقِ فَقِيرًا إلَيْهِ.
وَلهَذَا كَانَت "مَسْأَلَةُ الْمَخْلُوقِ" مُحَرَّمَةً فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ، وَفِي النَّهْيِ عَنْهَا أَحَادِيثُ كَثيرَةٌ فِي "الصِّحَاحِ" وَ"السُّنَنِ" وَ"الْمَسَانِيدِ".
وَقَد دَلَّت النُّصُوصُ عَلَى الْأَمْرِ بِمَسْأَلَةِ الْخَالِقِ وَالنَّهْيِ عَن مَسْأَلَةِ الْمَخْلُوقِ