وَهَذَا الْقَدْرُ الَّذِي قَد ذَكَرْتُه وَاقِعٌ كَثِيرًا، فَإِنَّ مَبْدَأَ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى ذَلِكَ يُورِثُ اعْتِقَادًا وَمَحَبًةً غَيْرَ مَشْرُوعَيْنِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِغَيْرِ حَقٍّ، ثُمَّ يَخْرُجُ ذَلِكَ إلَى نَوْعٍ مِن الْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ غَيْرِ الْمَشْرُوعَيْنِ مِن جِنْسِ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ.
السَّادِسُ: أَنَّ فِي الْمُدَاوَمَةِ عَلَى نَوْعٍ دُونَ غَيْرِهِ: هِجْرَانًا لِبَعْضِ الْمَشْرُوعِ، وَذَلِكَ سَبَبٌ لِنِسْيَانِهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ، حَتَّى ئعْتَقَدَ أَنَّهُ لَيْسَ مِن الدِّينِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ فِي نُفُوسِ كَثِيرٍ مِن الْعَامَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِن الدِّينِ.
وَهجْرَانُ بَعْضِ الْمَشْرُوعِ سَبَبٌ لِوُقُوعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ الْأُمَّةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} المائدة: ١٤.
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ نِسْيَانَهُم حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ سَبَبٌ لِإِغْرَاءِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَهُمْ.
فَإِذَا اتَّبَعَ الرَّجُلُ جَمِيعَ الْمَشْرُوعِ الْمَسْنُونِ، وَاسْتَعْمَلَ الْأَنْوَاعَ الْمَشْرُوعَةَ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً: كَانَ قَد حُفِظَت السُّنَّةُ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَزَالَتْ الْمَفْسَدَةُ الْمَخُوفَةُ مِن تَرْكِ ذَلِكَ.
السَّابِعُ: أَنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَالْعَدْلُ: التَّسْوِيةُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَحَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَهُ محَرَّمًا بَيْنَ عِبَادِهِ، وَمِن أَعْظَمِ الْعَدْلِ: الْعَدْلُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، فَإِنَّ الْعَدْلَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا مِن الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ كَالْقِصَاصِ وَالْمَوَارِيثِ وَإِن كَانَ وَاجِبًا وَتَرْكُهُ ظُلْمٌ فَالْعَدْلُ فِي أَمْرِ الدِّينِ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَهُوَ الْعَدْلُ بَيْنَ شَرَائِعِ الدِّينِ وَبَيْنَ أَهْلِهِ.
فَإِذَا كَانَ الشَّارعُ قَد سَوَّى بَيْنَ عَمَلَيْنِ أَو عَامِلَيْنِ: كَانَ تَفْضِيلُ أَحَدِهِمَا مِن الظُّلْمِ الْعَظِيمِ، وَإِذَا فَضَّلَ بَيْنَهُمَا كَانَت التَّسْوِيَةُ كَذَلِكَ.