وَالتَّفْضِيلُ أَو التَّسْوِيَةُ بِالظَّنِّ وَهَوَى النُّفُوسِ مِن جِنْسِ دِينِ الْكُفَّارِ، فَإِنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ يُفَضِّلُ أَحَدُهُم دِينَهُ إمًا ظَنًّا وَإِمَّا هَوًى، إمَّا اعْتِقَادًا وَإِمَّا اقْتِصَادًا، وَهُوَ سَبَبُ التَّمَسُّكِ بِهِ وَذَمُّ غَيْرِهِ.
فَإِذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَد شَرَعَ تِلْكَ الْأَنْوَاعَ إمَّا بِقَوْلِهِ وَإِمَّا بِعَمَلِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا لَمْ يُفَضِّلْ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ: كَانَت التَّسْوِيَةُ بَيْنَهَا مِن الْعَدْلِ وَالتَّفْضِيلُ مِن الظُّلْمِ.
وَكَثِيرٌ مِمَّا تتنَازَعُ الطَّوَائِفُ مِن الْأُمَّةِ فِي تَفَاضُلِ أَنْوَاعِهِ: لَا يَكُونُ بَيْنَهَا تَفَاضُلٌ بَل هِيَ مُتَسَاوَيةٌ .. ثُمَّ تَجِدُ أَحَدَهُم يَسْأَلُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ هَذَا أَو هَذَا؟!
وَهِيَ مَسْأَلَةٌ فَاسِدَةٌ، فَإِنَّ السُّؤَالَ عَن التَّعْيِينِ فَرْعُ ثُبُوتِ الْأَصْلِ، فَمَن قَالَ: إنَّ بَيْنَهُمَا تَفَاضُلًا حَتَّى نَطْلُبَ عَيْنَ الْفَاضِلِ؟
وَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: هَذَانِ مُتَمَاثِلَانِ أَو مُتَفَاضِلَانِ، وَإِن كَانَا مُتَفَاضِلَيْنِ: فَهَل التَّفَاضُلُ مُطْلَقًا أَو فِيهِ تَفْصِيلٌ، بِحَيْثُ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ فِي وَقْتٍ وَهَذَا أَفْضَلَ فِي وَقْتٍ؟
ثُمَّ إذَا كَانَت الْمَسْأَلَةُ كَمَا تَرَى فَغَالِبُ الْأَجْوِبَةِ صَادِرَةٌ عَن هَوًى وَظُنُونٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ.
وَمِن أَكْبَرِ أَسْبَابِ ذَلِكَ: الْمُدَاوَمَةُ عَلَى مَا لَمْ تُشْرَع الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ (١). ٢٤/ ٢٤٢ - ٢٥٢
* * *
(١) فالواجب على طلاب العلم أنْ يحرصوا على تطبيق السُّنن الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى لا تُهجر، ويُعلِّموا الناس قولًا وعملًا أنواع العبادات والطاعات.