وَقَد اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِد الْمَاءَ فِي السَّفَرِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى إلَى أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ.
وَكَذَلِكَ تيمُّمُ الْجُنُبِ: ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَجَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ فِي السَّفَرِ إلَى أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ، فَإِذَا وَجَدَة كَانَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ. ٢١/ ٣٤٦ - ٣٥١
٢٣٥٦ - تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّيَمُّمِ: هَل يَقُومُ مَقَامَ الْمَاءِ فَيَتَيَمَّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ، كَمَا يَتَوَضأُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَيُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ مِن فُرُوضٍ وَنَوَافِلَ، كَمَا يُصَلِّي بِالْمَاءِ وَلَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، كَمَا لَا يَبْطُلُ الْوُضُوءُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورينِ:
فَمَذْهَبُ أَبِى حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَيبْقَى بَعْدَ الْوَقْتِ وَيُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ كَالْمَاءِ.
وَالْقَوْلُ الثَّاني: أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ خُرُوجِهِ.
وَلَنَا أَنَّهُ قَد ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: أَنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ كَمَا أَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ.
وَقَد قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَو لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ
سِنِينَ فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فأمسه بَشَرَتَك فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ" (١)، فَجَعَلَهُ مُطَهِّرًا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ مُطْلَقًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُطَهِّرٌ لِلْمُتَيَمِّمِ، وَإِذَا كَانَ قَد جَعَلَ الْمُتَيَمِّمَ مُطَهَّرًا كَمَا أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ مُطَهَّرٌ، وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِوَقْت، وَلَمْ يَقُلْ: إنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ يُبْطِلُهُ، كَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ يُبْطِلُهُ الْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَهُوَ مُوجَبُ الْأُصُولِ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَن الْمَاءِ، وَالْبَدَلُ يَقومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ فِي أَحْكَامِهِ، وَإِن لَمْ يَكُن مُمَاثِلًا لَهُ فِي صِفَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْوُضُوءُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَالتَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُهُ؟
قِيلَ: عَن هَذَا جَوَابَانِ:
(١) الترمذي (١٢٤)، والنسائي (٣٢٢)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي (١٢٤).