وَقَد احْتَجَّ الْأَكْثَرُونَ بِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ أَنْ تتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ" (١).
وَهَذِهِ الْمُسْتَحَاضَةُ الثَّانِيَةُ لَمْ تَكُنْ مُبْتَدَأَةً، وَإِن كَانَ ذَلِكَ قَد ظَنَّهُ بَعْضُ النَّاسِ، فَإِنَّهَا كَانَت عَجُوزًا كَبِيرَةً، وَإِنَّمَا حَمَلُوا أَمْرَهَا عَلَى أَنَّهَا كَانَت نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا، وَفِي "السُّنَنِ": أَنَّهَا أُمِرَتْ أَنْ تَحِيضَ سِتًّا أَو سَبْعًا.
وَبِهَذَا احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ الْمُتَمَيِّزَةَ تَجْلِسُ سِتًّا أَو سَبْعًا وَهُوَ غَالِبُ الْحَيْضِ. ٢١/ ٦٢٧ - ٦٣٠
٢٤١٢ - فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثلَاثُ سُنَنٍ:
أ - سُنَّةٌ فِي الْعَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (٢)؛ فَإِنَّ الْعَادَةَ أَقْوَى الْعَلَامَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُقَامُ الْحَيْضِ دُونَ غَيْرِهِ.
ب - وَسُنَّةٌ فِي الْمُمَيِّزَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: "دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ"؛ لِأَنَّهُ الدَّمُ الْأَسْوَدُ، وَالثَّخِينُ الْمُنْتِنُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ حَيْضًا مِنَ الأَحْمَرِ.
ج - وَسُنَّةٌ فِي غَالِبِ الْحَيْضِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: "تَحَيَّضِي سِتًّا أَو سَبْعًا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي ثَلَاًثًا وَعِشْرِينَ أَو أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ كمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، وَيَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ".
لِأَنَّ الْأَصْلَ إلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ.
= بِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ على الاستحباب لا على الْإيجَابِ. اهـ. يُنظر التمهيد (٢٢/ ١٠٩).
قال ابن رجب: وأحاديث الأمر بالغسل لكل صلاة كلها معلولة.
وإنما المراد هنا: أحاديث الوضوء لكل صلاة، وقد رويت مِن وجوه متعددة، وهي مضطربة -أيضًا- ومعللة. اهـ. فتح الباري (٢/ ١٠٤).
(١) صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (٢٩٩).
(٢) وهو قولُه لفَاطِمَةَ بِنْت أَبِي حبيش: "دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْت تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي".