فَهَذِهِ الْعَلَامَاتُ الثَّلَاثُ تَدُل عَلَيْهَا السُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ.
وَالْعُلَمَاءُ لَهُم فِي الِاسْتِحَاضَةِ نِزَاعٌ فَإِنَّ أَمْرَهَا مُشْكِلٌ لِاشْتِبَاهِ دَمِ الْحَيْضِ بِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ .. وَأَصْوَبُ الْأَقْوَالِ اعْتِبَارُ الْعَلَامَاتِ الَّتِي جَاءَت بِهَا السُّنَّةُ وَإِلْغَاءُ مَا سِوَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْمُتَحَيِّرَة (١): فَتَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ كَمَا جَاءَت بِهِ السُّنَّةُ، وَمَن لَمْ يَجْعَلْ لَهَا دَمًا مَحْكُومًا بِأَنَّهُ حَيْضٌ بَل أَمَرَهَا بِالِاحْتِيَاطِ مُطْلَقًا فَقَد كَلَّفَهَا أَمْرًا عَظِيمًا لَا تَأْتِي الشَّرِيعَةُ بِمِثْلِهِ، وَفِيهِ تَبْغِيضُ عِبَادَةِ اللهِ إلَى أَهْلِ دِينِ اللهِ، وَقَد رَفَعَ اللهُ الْحَرَجَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مِن أَضْعَفِ الْأَقْوَالِ جِدًّا.
وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الدَّمَ بِاعْتِبَارِ حُكمِهِ لَا يَخْرُجُ عَن خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:
أ - دَمٌ مَقْطُوعٌ بِأَنَّهُ حَيْضٌ؛ كَالدَّمِ الْمُعْتَادِ الَّذِي لَا اسْتِحَاضَةَ مَعَهُ.
ب - وَدَمٌ مَقْظوعٌ بِأَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ؛ كَدَمِ الصَّغِيرَةِ.
ج - وَدَمٌ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أنَّهُ حَيْضٌ، وَهُوَ دَمُ الْمُعْتَادَةِ وَالْمُمَيِّزَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ المستحاضات الَّذِي يُحْكَمُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ.
د - وَدَمٌ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ، وَهُوَ الدَّمُ الَّذِي يُحْكمُ بِأَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ مِن دِمَاءِ هَؤُلَاءِ.
هـ - وَدَمٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ لَا يَتَرَجَّحُ فِيهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، فَهَذَا يَقُولُ بِهِ طَائِفَةٌ مِن أَصْحَابِ الشَافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا فَيُوجِبُونَ عَلَى مَن أَصَابَهَا أَنْ تَصُومَ وَتُصَلِّيَ ثُمَّ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَالصَّوَابُ: أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ بَاطِلٌ؛ لِوُجُوهٍ:
(١) في الأصل: (الْمُتَمَيِّزَةُ)، وهكذا في النسخ التي وقفت عليها، وهو خطأ بلا شك، والمثبت هو الصواب، ولذلك صححت في طبعة مجمع الملك فهد.
والمتحيرة: هي التي تكون ناسية لوقت حيضها، وعدد أيام حيضها، فالحكم في هذه الحالة أنها تجلس عادة نسائها كأمها وأختها وعمتها وخالتها، فإن كانت تعرف شهرها جلست ذلك منه؛ لأنه عادتها فترد إليه كما ترد المعتادة إلى عادتها. وإن لم تعرف شهرها جلست من الشهر المعتاد.