أَحَدُهَا: أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} التوبة: ١١٥؛ فَاللهُ تَعَالَى قَد بَيَّنَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَغَيْرِهَا مَا تَتَّقِيهِ مِن الصَّلَاةِ وَالصّيَامِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ، فَكَيْفَ "يُقَالُ: إنَّ الشَّرِيعَةَ فِيهَا شَكٌّ مُسْتَمِرٌ يَحْكُمُ بِهِ الرَّسُولُ وَأُمَّتُهُ.
نَعَمْ: قَد يَكُونُ شَكٌّ خَاصٌّ بِبَعْضِ النَّاسِ، كَاَلَّذِي يَشُكُّ هَل أَحْدَثَ أَمْ لَا؟ كَالشُّبُهَاتِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِن النَّاسِ، فَأَمَّا شَكُّ وَشُبْهَةٌ تَكُونُ فِي نَفْسِ الشَّرِيعَةِ فَهَذَا بَاطِلٌ.
وَاَلَّذِينَ يَجْعَلُونَ هَذَا دَمَ شَكٍّ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ حُكمَ الشَّرْعِ، لَا يَقُولُونَ: نَحْنُ شَكَكْنَا؛ فَإِنَّ الشَّاكَّ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ فَلَا يَجْزِمُ، وَهَؤُلَاءِ يَجْزِمُونَ بِوُجُوبِ الصِّيَامِ وَإِعَادَتِهِ لِشَكِّهِمْ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَيْسَ فِيهَا إيجَابُ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا الصِّيَام مَرَّتَيْنِ إلا بِتَفْرِيطٍ مِنَ الْعَبْدِ.
فَأَمَّا مَعَ عَدَمِ تَفْرِيطِهِ: فَلَمْ يُوجِبِ اللهُ صَوْمَ شَهْرَيْنِ فِي السُّنَّةِ، وَلَا صَلَاةَ ظُهْرَيْنِ فِي يَوْمٍ، وَهَذَا مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ ضَعْفُ قَوْلِ مَن يُوجِبُ الصَّلَاةَ وُيوجِبُ إعَادَتَهَا؛ فَإِنَّ هَذَا أَصْلٌ ضَعِيفٌ.
وَيَدْخُلُ فِي هَذَا مَن يَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَإِعَادَتِهَا، وَبِالصَّلَاةِ مَعَ الْأَعْذَارِ النَّادِرَةِ الَّتِي لَا تتَصِلُ وَإِعَادَتِهَا.
فَإِنَّ الصَّوَابَ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّ مَن فَعَلَ الْعِبَادَةَ كَمَا أُمِرَ بِحَسَبِ وُسْعِهِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} التغابن: ١٦، وَلَمْ يُعْرَفْ قَطُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ الْعَبْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ مَرَّتَيْنِ، لَكِنْ يَأْمُرُ بِالْإِعَادَةِ مَن لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ كَمَا قَالَ لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، وَكَمَا أَمَرَ مَن صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ.