٢٤٤٥ - وأما مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِن تَقْدِيمِ مَفَارِشَ إلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَو غَيْرِهَا قَبْلَ ذَهَابِهِم إلَى الْمَسْجِدِ فَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَل مُحَرَّمٌ (١).
وَهَل تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَفْرُوشِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ؛ لِأَّنَّهُ غَصَبَ بُقْعَةً فِي الْمَسْجِدِ بِفَرْشِ ذَلِكَ الْمَفْرُوشِ فِيهَا وَمَنَعَ غَيْرَهُ مِنَ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ يَسْبِقُونَهُ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ.
وَالْمَأمُورُ بِهِ أَنْ يَسْبِقَ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا قَدَّمَ الْمَفْرُوشَ وَتَأَخرَ هُوَ فَقَد خَالَفَ الشَّرِيعَةَ مِن وَجْهَيْنِ:
أ- مِن جِهَةِ تَأَخُّرِهِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّقَدُّمِ.
ب- وَمِن جِهَةِ غَصْبِهِ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ وَمَنْعِهِ السَّابِقِينَ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ يُصَلُّوا فِيهِ، وَأنْ يُتمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ فَالْأوَّلَ، ثُمَّ إنَّهُ يَتَخَطَّى النَّاسَ إذَا حَضَرُوا.
ثُمَّ إذَا فَرَشَ هَذَا: فَهَل لِمَن سَبَقَ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ وَيُصَلِّىِ مَوْضِعَهُ؟
فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَالثَّانِي -وَهوَ الصَّحِيحُ-: أَنَّ لِغَيْرِهِ رَفْعَهُ وَالصَّلَاةَ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا السَّابِقَ يَسْتَحِقُّ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ، وَهُوَ مَأمُورٌ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِن فِعْلِ هَذَا الْمَأْمُورِ وَاسْتِيفَاءِ هَذَا الْحَقِّ إلَّا بِرَفْعِ ذَلِكَ الْمَفْرُوشِ، وَمَا لَا يَتمُّ الْمَأمُورُ إلَّا بِهِ فَهُوَ مَأمُورٌ بِهِ.
(١) وقال - رحمه الله -: لَيْسَ لِأحَدٍ أنْ يَفْرِشُ شَيْئًا ويخْتَصَّ بِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ ويمْنَعَ بِهِ غَيْرَهُ، هَذَا غَصْبٌ لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ، وَمَنْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِمَّا أمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِن الصَّلَاةِ.
وَالسُّنةُ أنْ يَتَقَدَّمَ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ، وَأمَّا مَن يَتَقَدَّمُ بِسَجَّادَة فَهُوَ ظَالِمٌ يُنْهَى عَنْهُ، ويَجِبُ رَفْعُ تِلْكَ السَّجَاجِيدِ ويُمَكنُ النَّاسُ مِن مَكَانِهَا.
هَذَا مَعَ أَنَّ أَصْلَ الْفَرْشِ بِدْعَةٌ، لَا سِيَّمَا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (٢٤/ ٢١٦)