بِالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ هِيَ الْقِبْلَةُ الَّتِي أَمَرَ الْمُصَلِّيَ بِاسْتِقْبَالِهَا فِي الصَّلَاةِ (١).
وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَهَكذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: مِثْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يُعْرَفُ عَن أَحَدٍ مِن الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ، وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ أئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ وَكَلَامُهُم فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ.
وَقَد تَأَمَّلْت نُصُوصَ أَحْمَد فِي هَذَا الْبَابِ فَوَجَدْتهَا مُتَّفِقَةَ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا.
بَل مَن قَالَ: يَجْتَهِدُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ، أو فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ: فَقَد أصَابَ.
وَمَن قَالَ: يَجْتَهِدُ انْ يُصَلِّيَ إلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ، أو فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ: فَقَد أَصَابَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُم مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَن شَاهَدَ الْكَعْبَةَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي إلَيْهَا، وَمُتَّفِقونَ
(١) قال العلَّامة ابن عثيمين -رحمه الله- في الشرح الممتع عند قول المؤلف: "وَفَرْضُ مَن قَرُبَ مِن القِبْلَةِ إِصَابَةُ عَينِهَا، وَمنْ بَعُدَ جِهَتُها"؛ أي: من بَعُدَ عن الكعبة بحيث لا يمكنه المشاهدة؛ فيجب عليه إصابةُ الجهة، والجهة حدَّدها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تستقبلوا القِبْلة بغائطٍ ولا بولٍ، ولا تستدبرُوها، ولكن شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا". لما قال: "شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا" يريد بذلك عكس القِبْلة، وعلى هذا فيكون ما بين المشرق والمغرب بالنسبة لأهل المدينة كلُّه قِبْلة، فالجنوب كلُّه قِبْلة لهم، ليس قِبْلتهم ما سامت الكعبةَ فقط، وبهذا نعرف أنَّ الأمر واسع، فلو رأينا شخصًا يُصلِّي منحرفًا يسيرًا عن مُسامَتَةِ القِبْلة، فإن ذلك لا يضرُّ؛ لأنَّه متَّجه إلى الجهة وهذا فرضه.
وجهة القِبْلة لمن كانوا شمالًا عن الكعبة ما بين الشَّرق والغرب، ولمن كانوا شرقًا عن الكعبة ما بين الشَّمال والجنوب. ولمن كانوا غربًا ما بين الشَّمال والجنوب، ولمن كانوا جنوبًا عن الكعبة ما بين الشرق والغرب، فالجهات إذًا أربع، وهذا مقتضى حديث أبي أيوب.
واعلمْ أنه كلَّما قَرُبتَ من الكعبة صَغُرت الجهة، فإذا صِرتَ تحت جدار الكعبة تكون الجهة بقَدْر بدنك فقط. شرح الزاد (٢/ ٢٧١).