د - وَأَنَّهُم {لَا يَعْقِلُونَ} الأنفال: ٢٢.
هـ - وَأَنَّهُم {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩)} الذاريات: ٨، ٩.
و - وَأَنَّهُم {فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} رَ التوبة: ٤٥.
ز - وَأَنَّهُم {يَعْمَهُونَ} يونس: ١١.
فَعِنْدَهُمْ: الْإِنْسَانُ هُوَ غَايَةُ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَعْبُودُ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ:
يَعْبُدُهُ أَو يَقْصِدُهُ، أَو يَدْعُوهُ أَو يَسْتَجِيبُ لَهُ؛ وَلهَذَا كَانَ قَوْلُهُم حَقِيقَةَ قَوْلِ فِرْعَوْنَ.
وَكُنْت أَقُولُ لِمَن أُخَاطِبُهُ: إنَّ قَوْلَهُم هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ، حَتَّى حَدَّثَنِي بَعْضُ مَن خَاطَبْته فِي ذَلِكَ مِن الثِّقَاتِ الْعَارِفِينَ أَنَّ بَعْضَ كُبَرَائِهِمْ لَمَّا دَعَا هَذَا الْمُحَدِّثَ إلَى مَذْهَبِهِمْ، وَكشَفَ لَهُ حَقِيقَةَ سِرِّهِمْ، قَالَ: فَقُلْت لَهُ: هَذَا قَوْلُ فِرْعَوْنَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَنَحْنُ عَلَى قَوْلِ فِرْعَوْنَ، فَقُلْت لَهُ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي اعْتَرَفُوا بِهَذَا؛ فَإِنَّهُ مَعَ إقْرَارِ الْخَصْمِ لَا يُحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ (١).
وَلهَذَا حَدَّثُونَا أَنَّ ابْنَ الْفَارِضِ لَمَّا اُحْتُضِرَ أَنْشَدَ بَيْتَيْنِ:
إنْ كَانَ مَنْزِلَتِي فِي الْحُبِّ عِنْدَكُمُ … مَا قَد لَقِيت فَقَد ضَيَّعْت أَيَّامِي
(١) سمّى من حدثه وذكر القصة مفصلة في موضع آخر فقال: حَدَّثَنِي بَهَاءُ الدِّين عَبْدُ السَّيِّدِ، الَّذِي كَانَ قَاضِي الْيَهُودِ وَأسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ رحمه الله، وَكَانَ قَد اجْتَمَعَ بِالشِّيرَازِي أَحَدِ شُيُوخ هَؤُلَاءِ، وَدَعَاهُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَزَيَّنَهُ لَهُ، فَحَذثَنِي بِذَلِكَ، فَبَيَّنْت لَهُ ضَلَالَ هَؤُلَاءِ وَكُفْرِهِمْ، وَأَنَّ قَوْلَهُم مِن جِنْسِ قَوْلِ فِرْعَوْنَ.
فَقَالَ لِي: إنَّهُ لَمَّا دَعَاهُ حَسَنْ الشِّيرَازِي إلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ لَهُ: قَوْلُكُمْ هَذَا يُشْبهُ قَوْلَ فِرْعَوْنَ، فَقَالَ: نَعَمْ، وَنَحْنُ عَلَى قَوْلِ فِرْعَوْنَ!
وَكَانَ عَبْدُ السَّيِّدِ إذ ذَاكَ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ، فَقَالَ: أنَا لَا أَدَعُ مُوسَى وَأذْهَبُ إلَى فِرْعَوْنَ، قَالَ لَهُ: وَلمَ؛ قَالَ لِأنَّ مُوسَى أَغْرَقَ فِرْعَوْنَ، فَانْقَطَعَ.
فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِالنَّصْرِ الْقَدَرِيِّ الَّذِي نَصَرَ اللهُ بهِ مُوسَى، لَا بكَوْنِهِ كَانَ رَسُولًا صَادِقًا.
قُلْت لِعَبْدِ السَّيِّدِ: وَأقَرَّ لَك أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ فِرْعَوْنَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَمَعَ إقْرَارِ الْخَصْمِ لَا يُحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةِ، أَنَا كُنْت أرِيدُ أَنْ أبَيِّنَ لَك أَنَّ قَوْلَهُم هُوَ قَوْلُ فِرْعَوْنَ، فَإِذَا كَانَ قَد أَقَرَّ بِهَذَا فَقَد حَصَلَ الْمَقصُودُ (٢/ ٣٥٩).